Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/06/2010 G Issue 13778
السبت 07 رجب 1431   العدد  13778
 
مفارقات لوجستية
الجريمة المستحيلة
د. حسن عيسى الملا

 

مما شدّني واسترعى انتباهي أثناء دراستي للقانون الجنائي جريمة تُسمى ب»الجريمة المستحيلة» من بين أنواع الجرائم التي لا يعاقب عليها قانون العقوبات، وكان من بين الأمثلة الذي ضربها الفقيه القانوني المؤلف لكتاب «قانون العقوبات»، هو اعتراف شخص ما بارتكاب جريمة قتل بحق شخص ما لا يزال على قيد الحياة.

تذكرت هذه «الجريمة المستحيلة» وأنا استمع إلى تداعيات الهجوم على قافلة الحرية، وكيف ألقي القبض على المتضامنين على هذه السفن في المياه الدولية واقتدوا بالقوة المسلحة إلى ميناء أشدود الفلسطيني، وطلب منهم التوقيع على إقرار بأنهم دخلوا «إسرائيل» بطريقة غير مشروعة وأنهم يوافقون على إبعادهم من البلاد.

ينطوي هذا الإقرار على اعتراف بارتكاب جريمة الدخول إلى «إسرائيل» بطريقة غير مشروعة، وبما أنهم اختطفوا من المياه الدولية واقتيدوا كرهائن إلى «إسرائيل» بالقوة الجبرية، فإن هذا الاعتراف إن وقع فهو شبيه بالاعتراف بارتكاب «جريمة مستحيلة» أتمنى أن تُضرب مثلاً في قوانين العقوبات لهذا النوع من الجرائم.

المفارقة هنا، أن هذه الجريمة المنسوبة إلى المتضامنين تحمل في طياتها جريمة موصوفة ارتكبت عن سبق إصرار وترصد وهي جريمة «إرهاب دولة» موصوفة في القوانين الدولية، تتوفر أركانها في الاعتداء المسلح على مدنيين في أعالي البحار واختطافهم كرهائن بعد قتل بعضهم وجرح عدد آخر.

مثل هذه الجريمة، التي حاول الصهاينة تغيير مسماها، وإلباس الضحايا لباس المجرمين، يجب ألا تمر دون عقاب إن لم يكن على يد الأنظمة الحاكمة، فلا أقل من أن تتبناها الأمم المتحدة التي شرَّعت قوانين الملاحة الدولية وحقوق الإنسان في حالتي السلم والحرب، ما لم تعترف هذه المنظمة بعجزها عن معاقبة «إسرائيل» والإقرار بأنها العضو الوحيد في المنظمة المعترف به من الأمم المتحدة على أنه فوق القانون.

وإذا كانت الأمم المتحدة عاجزة عن معاقبة «إسرائيل» كدولة عضو فيها، وعاجزة عن محاكمة وزرائها الذين أصدروا الأوامر بارتكاب ما تمّ من إرهاب وقتل واختطاف مدنيين في المياه الدولية، بسبب الموقف الأمريكي المتكرر من جرائم «إسرائيل» والذي وعد «أوباما» في جامعة القاهرة وبرلمان تركيا بتغييره، فلا أقل من أن تتولى ذلك منظمات المجتمعات المدنية في الدول التي كان بعض من مواطنيها ضحايا لتلك الجريمة.

وأذكّر هنا بأن «إسرائيل» المجرمة في واقعة الهجوم المسلح على قافلة الحرية المدنية، لاحقت المعتدين على اليهود في ألمانيا النازية قبل أن تقوم دولة «إسرائيل» وطاردتهم في كل مكان في العالم واغتالت عدداً منهم، بل وألقت القبض على «إيخمان» في دولة من دول أمريكا اللاتينية واقتادته إلى «إسرائيل» حيث حكوم وحكم عليه بالإعداد وأعدم.

ما يتميز به الإسرائيليون أنهم لا يغفرون للمعتدين عليهم، ويقتصون منهم ولو بعد حين، بينما تتجه هذه الجريمة الإسرائيلية وما سبقها من جرائم إلى مستنقع النسيان.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد