منّ الله على بلادنا بأن جعلها مهبط الوحي وموئل الأفئدة وتطلع المسلمين، ليس هذا فحسب، بل أفاض الله سبحانه علينا من نعمه وآلائه الوفيرة وكنوزه التي لا تحصى بأن جعل من بلادنا بلاداً غنية بثرواتها البشرية والمالية، وقيض لهذا الوطن حكاماً نذروا أنفسهم للمحافظة عليه والسهر على حوائج شعبهم، ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن ذلك الاهتمام تعدى حدود الوطن ليشمل الوطن العربي كله، والدول الإسلامية، بل والعالم أجمع، وما هذه الرحلات والزيارات المستمرة لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- إلا دليل صادق على حسن النوايا في تذليل الصعوبات لتقريب وجهات النظر وإنهاء الخلافات سواء كانت إقليمية أو عربية أو إسلامية، ثم بعد ذلك إيصال هذه الرسالة إلى العالم ومفادها أننا أمة تسعى للسلام وتهدف إلى نشره بين دول العالم ليحل الوئام والمحبة والإخاء بين دول العالم بدل التنازع والاختلاف والتنافر، وبدل تصادم الحضارات يكون حوار الثقافات في جو تسوده روح التعاون والمحاورة مع جميع الأطراف دون التنازل عن القيم والثوابت لديننا الحنيف.
هذه المعطيات والمكتسبات التي حازها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك الإنسانية جعلت منه -رعاه الله- أنموذجاً لنشر رسالة السلام بين شعوب الأرض.
من هنا بدأت فكرة منطاد ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تلك الفكرة جاءت إهداء من دولة الإمارات العربية الشقيقة مثلها في ذلك الكابتن طيار عبدالعزيز بن ناصر المنصوري، حيث وجه خطاباً لسفارة خادم الحرمين الشريفين بأبو ظبي مفادها إهداء من شعب الإمارات الشقيق لمنطاد أطلق عليه منطاد ملك الإنسانية الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسرعان ما جاء الأمر الكريم رقم 1016-م ب في 4-2-1431هـ بقبول ذلك الإهداء وتنفيذ ما يقتضيه ذلك، وكان المأمول أن ينطلق المنطاد أثناء دورة المهرجان الوطني الخامسة والعشرين، ولكن تأخر ذلك بسبب تأخر تصنيع المنطاد.
وفي يوم الخميس 23-4-1431هـ أشعر المهرجان بأن المنطاد سيكون جاهزاً للانطلاق، وفي يوم الخميس 1-5-1431هـ وبعد إجراء الفسوحات اللازمة من الجمارك، تم نقله إلى موقع المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية، وبعد إبلاغ الجهات المعنية لإكمال جميع الاحتياطات، وكذلك الاتصال بوسائل الإعلام المختلفة لتسليط الضوء على هذا الحدث الكبير، أخذ المهرجان بعد ذلك إجراء الترتيبات اللازمة لانطلاقه في يوم الخميس 1-5-1431هـ الساعة 4.45 عصراً.
وقد كان لتوجيه صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز بأن تكون الانطلاقة من مقر المهرجان الوطني للتراث والثقافة بعداً له أهميته، حيث إن المهرجان الوطني هو حاضن للتراث والثقافة، وعلى أرض المهرجان هناك تمثيل كبير لإمارات مناطق المملكة المختلفة، فهناك مباني إمارات المدينة، الباحة، عسير، القصيم، حائل، جازان، مكة المكرمة، وبانتظار بقية المناطق -بإذن الله-، كما توجد مشاركات دول مجلس التعاون الشقيقة، ولأن المنطاد يشرف بحمل صورة خادم الحرمين الشريفين من هنا تكون انطلاقته.
وفعلاً أعدت العدة للانطلاقة، ولكن أجواء مدينة الرياض في ذلك اليوم وخصوصاً من الساعة الواحدة والنصف، حيث الرياح الشديدة والأمطار، وبالتالي طلب منا الكابتن إلغاء ترتيبات الحفل، غير أن حكمة وروية معالي نائب رئيس الحرس الوطني المساعد الأستاذ عبدالمحسن بن عبدالعزيز التويجري حالت دون ذلك، وذلك عندما قال: «أكملوا ما بدأتم به وأدعو المدعوين ووسائل الإعلام تحضر، وقد يغير الله سبحانه من حال إلى حال». وتم ذلك بالفعل، وكان الكابتن الطيار يقول سوف أقوم فقط بإجراءات ملء البالون بالهواء دون الطيران، نظراً للأحوال الجوية، وأراد الله سبحانه وتعالى أن تتبدل الأجواء إلى أجواد مشجعة للطيران وفعلاً تم الإذن بانطلاقة المنطاد بيد صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله حينما أرخى الحبل الممسك بالمنطاد ليحلق في السماء حاملاً معه رسالة السلام لجميع دول العالم.
تلى ذلك الانتقال لمحافظة جدة ليرتفع المنطاد وقريباً من مكة المكرمة موطن السلام ومهبط الوحي والرسالة، أرض المحبة والإخاء والود، وليتزين بصورة خادم الحرمين الشريفين ليقول للعالم أجمع: (ها نحن بقرب أقدس البقاع، نقول بأعلى صوتنا أهلاً وسهلاً بحوار الثقافات، أهلاً بالتعامل الإنساني، أهلاً بالسلم وعدم العنف ونبذ الكراهية وإحلال المحبة، قلوبنا وأيدينا مفتوحة للجميع)، حاملاً معه هذه الأهداف السامية والنبيلة التي لازال خادم الحرمين الشريفين -رعاه الله- ينادي بها.
ختاماً ونحن نختم هذه المقالة، نشكر الله سبحانه وتعالى أن سهّل مهمة طيران المنطاد، ثم نشكر خادم الحرمين الشريفين على ما تفضل به من توجيه وأمر بالموافقة على ذلك، وكذلك الشكر والتقدير لصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله على متابعته خطوات المنطاد أولاً بأول، والشكر موصول لنائب رئيس الحرس الوطني المساعد معالي الأستاذ عبدالمحسن التويجري الذي كان يقف مباشرة على جميع الاستعدادات وتذليل كافة الصعوبات عينية ومادية.
وقبل ختام هذه المقالة لابد أن نتقدم لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة وشعبها على هذا الإهداء، ونخص بالشكر الكابتن الطيار عبدالعزيز ناصر المنصوري على جهوده الواضحة وتحمله جميع المشاق والصعوبات ابتداء من الفكرة وحتى التصنيع، وبعد ذلك الرحلة، فشكراً له وللطاقم المصاحب معه، وشكراً لجميع الجهات التي شاركت، وإمارة منطقة مكة المكرمة التي بذلت جهوداً مشكورة، وجميع الجهات والصحف والتلفزيون السعودي بجميع قنواته، وجميع القنوات المشاركة.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
*مدير عام المهرجان الوطني للتراث والثقافة