Al Jazirah NewsPaper Sunday  20/06/2010 G Issue 13779
الأحد 08 رجب 1431   العدد  13779
 
القيم بين توجيه حقيقي للسلوك وادعاءات فارغة..!
عبدالله بن محمد الحميدان *

 

بينما كنت في طريقي نحو العمل إذ لفتت انتباهي عبارة لإحدى جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، وكان نصها «الحياة رسالة ورؤية، والقرآن الكريم دستور للحياة وفيه الرسالة والرؤية»، وبحكم اطلاعي «المحدود» على بعض ما تقتضيه الإدارة الإستراتيجية المعاصرة أحببت إبراز ما قد يخفى على البعض من محاسن هذه العبارة، فالرؤية هي تطلع مرموق ومنزلة رفيعة يجتهد الفرد في الوصول إليها ويسعى لتبوئها سواءً في دينه أو دنياه، ولاشك أن الفوز بالجنة والنجاة من النار هي أعظم رؤية ينشدها المسلم، بيد أن هناك رؤى متعددة في شتى مناحي الحياة غابت عنا وتستحق منا الوقوف عندها، ولتحقيق الرؤية أيّاً كانت فإن الفرد يحتاج لرسالة تصف له الواجب المناط به وتجلي كيفية تحقيقه بمثالية سواءً فيما يتعلق بتحقيق الرؤية الأخروية المتمثلة بعبوديته لله عز وجل وحده على الوجه الذي شرعه أو فيما يتعلق بتحقيق مطلب دنيوي حيث شرع الله لعباده عمارة الأرض واستصلاحها بما يكفل للأمة وللفرد النهضة والازدهار.

كما أن القرآن الكريم -ومثله السنة النبوية- دستور يحكم للمسلم جميع أوجه حياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها، سواءً فيما سنّه الشارع الحكيم من سياسات وقوانين صريحة تبين للمؤمن ما يجب عليه القيام به وما يلزمه الامتناع عنه أو ما كان مضمناً في قيم نبيلة تسهم في خلق اتجاهات تؤثر في سلوك المنظمات الناجحة ويصطبغ بها أفراد هذا التنظيم كالصدق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}، سورة التوبة (119).. وكذلك الأمانة: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، سورة القصص (26).. والوفاء بالعهد: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ}، سورة الإسراء (34).. ويعزز تلك المنظومة القيمية ما ورد في السنة النبوية المطهرة.

إن مما ينبغي التنبه له بعد استقاء تلك القيم وفهمها فهماً عميقاً واستشعارها هو العمل بمقتضاها وتطبيقها في مختلف المستويات التنظيمية وعلى مختلف أنواع وحدات الأعمال سواءً على صعيد المنظمة الداخلي أو فيما يتعلق بتعاملاتها مع بيئتها الخارجية، فاحترام الكبير والعمل بمبدأ الجسد الواحد والرقابة الذاتية المتمثلة في استشعار مراقبة الله وكذلك الرأفة بالعاملين والاقتصاد في الموارد وإخلاص النصح للعملاء ما هي إلا جزء يسير مما حثت عليه القيم تلك، وليس هذا فحسب، بل فد يتعدى الأمر إلى قضايا أبعد من ذلك، وقد لا تخطر على بال البعض.. وأذكر في جمعة مضت أن الخطيب تحدث عن الحفاظ على البيئة من منظور الشريعة وساق أدلة كثيرة في سبق الدين الإسلامي في هذا الجانب قبل أن يتشدق الغرب به، كما حدثني أحد المهتمين بقضايا الجودة عن مبدأ الجودة الشاملة، وأننا لو طبقنا ديننا على الوجه الأمثل لاستغنينا عن هذا المبدأ وغيره من المبادئ المستعارة من ثقافات أخرى وربما حوت بعض التحيزات التي تخدش ثقافتنا وعقيدتنا، والمدرك لأحداث التاريخ التي خلفت المصائب على مجتمع المسلمين كالحروب الصليبية وحركات الاستعمار أو حتى الغزو الفكري المعاصر يدرك أهمية القيم وأثرها حينما حاول الأعداء تشويهها وزعزعتها ليس من منظور عقدي فحسب، بل لمعرفتهم بأثر ذلك في تقويض اقتصاد المسلمين وحضارتهم.

إن مشكلة عدد من المنظمات اليوم تكمن في الضعف الناشئ عن عدم ربط المنظمة وأفرادها بالقيم التي تمثل هويتها، وقد تحدثت مع زميل حول أوضاع المصرفية الإسلامية الراهنة، وذكر لي أنه رغب في الحصول على تمويل شرعي من أحد المصارف وتفاجأ بعد حصوله على القرض بخصم مبلغ يسير جداً كرسم إداري، وقد كان هذا البند مدوناً في عقد المرابحة ولكن ممثل المصرف لم يبين للعميل ذلك الشرط ربما لحصوله على عمولة مقابل إتمام إجراءات هذا القرض أو لتهوينه من فعلته، وبعد سماعي لقصة زميلي سارعت بالاطلاع على الموقع الإلكتروني للمصرف ووجدت أن الشفافية هي أحد القيم الأساسية التي يلتزم المصرف بتبنيها ودون أدنى شك فإن ما قام به ممثل المصرف مخالف تماماً لتلك الشفافية المزعومة، وسبب ذلك في نظري إما الفهم الرديء لفلسفة القيم وحصر تطبيقها في دائرة ضيقة، أو أن القيم أصبحت للأسف وسيلة دعائية مضللة تتمثل في شعارات زائفة من أجل تزيين صورة المنظمة واستدرار عطف الناس وكسب ثقتهم بأقل مجهود ولو التزمت المنظمة بقيمها حق الالتزام لحققت النجاح الباهر المنشود ولأصبحت علماً يشار إليه بين المنافسين ومقصداً للعملاء.

* جامعة القصيم - برنامج ماجستير إدارة الأعمال


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد