Al Jazirah NewsPaper Sunday  20/06/2010 G Issue 13779
الأحد 08 رجب 1431   العدد  13779
 

الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود سيرة وبطولات
العميد م. نايف بن صقر العطاوي - الرياض

 

إن لكل شخصية من الشخصيات صفاتها وخلالها التي تتصف بها وتتميز بها وهذه الصفات إما تكون فطرية في الشخصية ومولودة بها وإما أن تكون مكتسبة من خلال ممارستها للحياة وما تواجه من تجارب هذا بجانب ما تكتسبه هذه الشخصية من علم وثقافة لذا من باب إسداء الشكر إلى أهله أقدم شكري لسمو الأمير بندر بن محمد عبد الرحمن آل سعود وأُعرب عن سعادتي بما قدم لنا من تاريخ جديد من فصول تاريخ وطننا الغالي فالتاريخ وحده هو الذي يملك أن يتحدث بإنصاف وتجرد ولقد قدم لنا تاريخ والده المرحوم بإذن الله سمو الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود (سيرة ومسيرة وكفاح بطل) فلا شك أن فكرة إصدار هذا المرجع التاريخي لهي أقل وصف لسمو الأمير لوفائه لوالده سمو الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله- وهذا إن دل فإنما يدل على السجايا المحمودة الراسخة في الوجدان والصفات الطيبة التي يتوارثها الأبناء عن الآباء فهذه الصفات هي التي جعلت وطننا اليوم شامخاً عالياً بين الأمم فهذا لم يكن إلا بالاتحاد والتوافق بين أفراد الأسرة الحاكمة وإذا كان معدن الرجال العظماء يظهر في المواقف فإن معدن سمو الأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود قد ظهر جلياً عندما أصدر لنا مرجعاً تاريخياً عن والده سمو الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود حيث كانت هذه الفكرة حلماً يراوده إلى أن تمكن بفضل الله من تحويلها إلى حقيقة فقد أثرانا بخفايا شخصية والده يرحمه الله في رحلته مع أخيه المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - يرحمه الله من أجل بناء هذا الكيان الشامخ لنتخذ منها نبراساً لنا وبطولات فريدة يصعب أن يطويها النسيان.

ولا شك أن إظهار سمو الأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود صورة والده رحمه الله يعكس نشأة وواقع رجال الأسرة المالكة السعودية من الدولة السعودية الأولى ومروراً بالثانية حتى الدولة السعودية الثالثة فهذه الأسرة تجمع بين كونها أسرة حكم عربية التقاليد وكونها أسرة أقامت حكمها على أساس ديني واضح ومناصرة العقيدة.

فعندما يكون القلب مليئاً بالأحاسيس الإنسانية العميقة والعاطفة الصادقة فإن أول من يتفيأ ظلال تلك العاطفة ويستظل بوارف تلك الأحاسيس الأهل والأقرباء فديننا الإسلامي الحنيف الذي هو مصدر تشريعاتنا ومحور حياتنا يحثنا على البر بالوالدين ولهذا فإنه ليس بغريباً على سمو الأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود أن يبرز لنا بره بوالده سمو الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله - في صورة لم يرها الكثير منا نظراً لندرة المراجع عن هذا الأمير رحمه الله.

لقد ترعرع الأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود بين كنفات والده رحمه الله الذي حرص على تربية أبنائه على المحبة والترابط والتآزر لأنه كان يدرك أن ملك الآباء والأجداد لن يعاد ويكتب له الاستمرار إلا إذا كان أبناؤه قلباً واحداً ويداً واحدة.

وما عاشه هؤلاء الأبناء في فترة الشتات والهجرة من مشاق والتي من شأنها أن تجعل الذين يتعرضون لها أكثر التحاماً والتصاقاً وأقوى ترابطاً وتماسكاً.

إنني عند تصفحي لهذا المرجع الذي يُظهر لنا ما لاقى رجالنا من مصاعب ومشاق في سبيل أن يكون هذا حالنا اليوم فإنني أشم رائحة الوفاق والعطاء والبر وأسمى معاني الإخلاص التي تربى عليها سمو الأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود والذي تعب كثيراً حتى حوَّل حلمه إلى حقيقة ففي تصديره للكتاب يقول: إن شعوري بأن حلمي بدأ يصبح حقيقة هو الذي حفزني إلى التصدي لكتابه التصدير لهذا المرجع والذي يحوي بين دفتيه الكثير عن رحلة الوالد رحمه الله وحياته ومسيرته وعاطر سيرته وجانباً كبيراً من صفاته الغنية بالعطاء والفداء والتضحية والبطولة الفذة فعند قراءتي لهذه السطور أتلمس أبهى صور البر من ولد لوالده وهذا ليس بغريب فهذه القيم والمبادئ هي الثمرات التي تربى عليها الأمير بندر بن محمد عبد الرحمن الفيصل آل سعود في بيت كان والده رحمه الله يحف أبناءه وبناته وأحفاده وزوجاته بعطف غير محدود وحنان واسع يجمع بين الرحمة والشدة وهو كأب لا يفرق بين أبنائه وبناته وكل ذريته وبين أي مواطن سعودي فالجميع عنده سواء.

فشكراً لكَ سمو الأمير أن أثريتنا بهذا العرض الشيق الممتع لجنبات سيرة والدكم رحمه الله سمو الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود.

الذي إن استطلعت سيرته وبطولاته لوجدته يحرك في نفسي نوازع النداء للشهامة والشجاعة وحب الوطن.

لقد بذل هؤلاء العظماء وعلى رأسهم المؤسس الملك عبد العزيز يرحمه الله كل نفيس وغالٍ ليكون هذا حالنا اليوم فرحمهم الله جميعاً وجعل الجنة مثواهم وهذا أقل ما نقدمهم لهم.

إن صفات الوالد سمو الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود الطيبة وسجاياه المحمودة تجلت في شخص سمو الأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود - عندما سعى بكل اهتمام ليظهر لنا نبراساً نحتذي به ورجلا ليس ككل الرجال فشكراً لكَ سمو الأمير.

إن صفحات سمو الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود مشرقة فكان نعم الوالد ونعم الإنسان رحيماً عطوفاً محباً فقد كان رحمه لله من ثمار الجيل الفريد وفي مقدمته الملك عبد العزيز - رحمه الله فهذا الجيل يجب أن نحتذي به ففيه الشموخ والبطولة والإقدام والثبات على الحق وبذل الغالي والنفيس من أجل الوطن وترابه وقبل ذلك، ثوابته وعقيدته السمحة لقد اشتهر بالصلاح والاستقامة.

والتمسك بثوابت الدين وتكريس قيم العدل والمساواة والثبات على الحق فكان جَلداً صبوراً فما رُئي يوما وقد جزع لنوائبه الدهر لأنه كان شديد القرب من خالقه وكان هذا الرضا يملأ نفسه بالاطمئنان.

وقد كان سمو الأمير محمد بن عبد الرحمن آل سعود الساعد الأيمن للملك عبد العزيز رحمه الله وتعلم منه الكثير.

من أكثر ما يبرز شخصية سمو الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود الحادثة الكبرى التي فجع بها وهي وفاة ابنه الأكبر خالد فقد كان وقع الحادث الأليم كالصاعقة عليه وعلى أفراد الأسرة المالكة وعلى عامة البلاد - لقد صبر سمو الأمير على فقد خالد صبراً تنوء به الجبال وهو موقف أكد قوة إيمانه بالله وحسن صلته به ورضاه المطلق بإرادته وقدره.

لقد كان قوي الإرادة وشجاعاً وما أكثرها بروزاً في أدق المواقف وأصعب الظروف فقد كان حازماًَ متماسكاً في مواقف ينهار لها الصناديد من الرجال.

لقد كان ثاقب الفكر بعيد النظر نافذ البصيرة عميق الفكر له قدره فائقة على وضع الحلول لكل الأمور في السلم والحرب.

لقد كان فارساً لا يكاد يترجل عن فرسه وقد يغيب عن بيته وأهله الأيام والليالي الطوال يقضيها في خوض المعارك الواحدة تلو الأخرى.

فهو أمير المواقف الصعبة التي تبرز عظمة الرجال وقت الشدائد والأحداث الجسام وفي مقدمة هذه المواقف التي سجلها التاريخ بأحرف من نور أنه كان الساعد الأكبر لأخيه الأكبر الملك عبد العزيز رحمه الله في استرداد مدينة الرياض عام 1319 هـ وكان الرفيق والسند في معظم المعارك التي دارت بعد استرداد الرياض التي تعد نقطة تحول في تاريخ المملكة بل والتاريخ العربي والإسلامي الحديث فقاد بعضاً من تلك المعارك الحربية فكان قائداً صلباً لا يعرف إلا النصر.

وكان من أبرز ما اتصف به رحمه الله الصبر على الشدائد مهما عظمت فقد عايش مع والده الإمام عبد الرحمن و أخيه الملك عبد العزيز أهوالاً عظاماً وفتناً سوداء ومخاطر يشيب لها الولدان منذ خروج الإمام عبد الرحمن من الرياض حتى تمت استعادتها سنة 1319هـ ولعل الأمير محمد كان يصبر في الشدائد والمصائب وكأنه المعني بقول الإمام الشافعي:

واختر لنفسك حظها

واصبر فإن الصبر جنة

وهكذا فإن الشواهد عبر التاريخ تؤكد أن الشخصيات العظيمة تكون الصفات فيها حادة واضحة الملامح فكما تبدو في أحدهم الشجاعة واضحة ملموسة بارزة نجد الرقة والعطف والنخوة أيضا واضحة بارزة ولا شك أن سمو الأمير محمد من هذه الشخصيات العظيمة التي سطرها التاريخ بأحرف من نور.

وأنه ليصدق عليه قول الشاعر:

ما جاد بالوفر إلا وهو معتذر

ولا عفا قط إلا وهو مقتدر

وكان من كرمه لا يعتذر لسائل قط فقد طبع على الجود ومن طبع على الجود لا يرد أحداً وإنه ليصدق عليه قول الشاعر:

يا من على الجود صاغ الله راحته

فليس يحسن غير البذل والجود

عمت عطاياك أهل الأرض قاطبة

فأنت والجود منحوتان من عود

وإن كان الناس قد أحبوا سمو الأمير محمداً لكرمه وسخائه وجل تواضعه فيكفي ما قاله: إبراهيم بن عبد الرحمن آل خميس أحد الذين شملهم الأمير محمد برعايته وعطفه:

« احتضنني كواحد من أولاده فعوضني عن فقد أبي بحنانه وكفاني متطلبات حياتي..................... «

أرى الناس إخوان الكريم وما

أرى بخيلا له في العالمين خيل

وهذا لا يستغرب من أمير عرف بحرصه على التمسك بأهداف الدين.

وعلى الرغم من دماثة خلقه ورقة قلبه ولين جانبه إلا أنه كان صلبا صلابة الفولاذ في المواقف التي تستدعي الصلابة وظهر هذا جلياً في حادثة الأخوان مع أهل مكة خلال حج 1343 هـ عندما كان حاكماً لمكة المكرمة وحدثت المشادة بين بعض الإخوان وأهل مكة وتطورت إلى اشتباك ولخطورة الأمر أرسل الملك عبد العزيز أخيه الأمير محمد بتفصيلات الموقف وتصدى سمو الأمير محمد للإخوان وقال بعبارات صارمة حاسمة : والله لو تقدم أحد منكم خطوة واحدة ليكون مصيره الموت وهنا عادت جموع الإخوان من حيث أتت.

فهذه هي صفات القائد الذي له هيبة فكان مسموع الأمر إذا تحدث أصغى الرجال وإذا أمر نفذوا فقد كان بعيد النظر يميل إلى التبصر في كل أمر ويحسن الإعداد له كما كان شديداً الاعتداد بالبداوة وأخلاقها السامية ومثلها العليا.

وكان سمو الأمير محمد يحتل مكانة كبيرة بين الناس لما يتصف به فقد كان في مجلسه يحادثهم ويصغي إليهم ويهتم بشؤونهم وقضاء حاجاتهم وكأنهم إخوانه أو أبناؤه.

وكان العلماء والفقهاء ورجال الدين مقدمين في مجلسه ولهم عنده مكانة وحظوة فكان محباً للبساطة في مجلسه مبتعداً عن التكلف مع جلسائه تعلو الابتسامة وجهه محباً للعلم وأهله مجالساً للمشايخ والعلماء والأفاضل وكان يكرم القضاة والمشايخ ويحب أهل الحكمة والشعر وأهل الرأي والخبرة ويقربهم من مجلسه لذا كان مجلسه مزدحماً بالناس على مختلف فئاتهم ودرجاتهم ولقد أصبحت اليوم المجالس المفتوحة ركيزة هامة من ركائز الحكم السعودي والأسرة المالكة السعودية التي لها الخبرة الطويلة في الحكم وفنه وطريقته وأسلوبه في تسيير دفة الأمور ورأينا أن هذه المجالس حققت الأغراض التي قصدت منها فحققت ديموقراطية انخرط تحت منارتها الناس بجميع فئاتهم فأصبحت مرآة حقيقية تلبي من خلالها رغبات المواطنين لقد رفع آل سعود راية لا إله إلا الله محمد رسول الله خفاقة يذودون عنها بالنفس والمال والولد فثبتت دعائم دولتهم بمشيئة الله واستطاعوا استعادة ملكهم من أيدي الغاصبين في مراحل الدولة السعودية الثلاث وأثبت التاريخ أن حكام آل سعود وقفوا صامدين في وجه كل العواطف من أجل تحقيق الوعد الذي قطعوه على أنفسهم برفع راية التوحيد عالية خفاقة ومن يرفع هذه الراية هو منتصر بإذن الله.

إن شجاعة سمو الأمير محمد رحمه الله أرهبت أعداءه وأكسبته تعظيم أتباعه فكان قائدا من طراز فريد ولم يُرَ في معركة من المعارك الحربية إلا في الصفوف الأمامية ومن كان يراه يتيقن أنه لن يخرج حياً من مكانه فقد كان يطلب الموت في كل معركة وكانت توهب له الحياة ولكن وهبت له حياة المجد والعز وخلد اسمه في كتاب التاريخ الصادق ناصع البياض بطلاً مغواراً مقاتلاً قائداً محنكاً وواحداً من بناة دولة الإسلام ومشيدي مجدها ورافعي رايتها وواضعي أساس عزها.

لقد كان الملك عبد العزيز وسمو الأمير محمد رحمهما الله في قلب الحدث دائما ورغم تلك الأحداث الجسام والصراعات والحروب استطاع الملك عبد العزيز توحيد البلاد لتحقيق المعجزة على أرض الجزيرة العربية ليكون أول وحدة عربية حقيقية.

وتوفي رحمه الله بالرياض يوم الأحد 23 رجب 1362هـ وغطت البلاد سحابة سوداء من الحزم العميق لوفاته وكان حزن الملك عبد العزيز عليه فوق حزن جميع الناس فكان أقرب الناس إليه وإلصاقهم به وأوفاهم له.

رحم الله الأمير وجعل الجنة مثواه فمن الصعب التحدث عن بطولات هؤلاء الرجال وتضحياتهم التي لا تستطيع السنون أن تدفنها في بطن النسيان أبدا.

ولسمو الأمير محمد رحمه الله ذرية وأحفاد كلهم تأثروا به ونهلوا من حنكته وشخصيته الفريدة وأرسى قواعد الإسلام في تربيتهم فكان نبراساً لهم لذا كانوا من أحسن الناس سمعة وأعطرهم سيرة وأقدرهم على الإنفاذ إلى قلوب العباد.

المرجع: الأمير محمد بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - سيرة ومسيرة وكفاح بطل

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد