Al Jazirah NewsPaper Sunday  20/06/2010 G Issue 13779
الأحد 08 رجب 1431   العدد  13779
 
هتان
لا تردين الرسايل..!!
سالم الرويس

 

في الزمن الإلكتروني، وفي زمن تعليب المشاعر، لا يستطيع الإنسان المعنوي المحنط في ذاكرته المحسوسة أن يتفاعل أو يتعامل مع هذه الثورة الإلكترونية، خاصة على مستوى المشاعر ونقل الأحاسيس. فالعشاق الأوائل - إن صحت التسمية - لا يثبت لهم العشق إلا بالإشهار والمعرفة العامة، ومن هنا عرف بعضهم بأسماء من أحبوهن، ومن هنا كتب لمشاعرهم أن تسافر بلونها وطعمها ورائحتها، وكتب على ذاكرة أولئك العشاق الخلود، كما وثقت آلامهم وجروحهم، لأنها مشاعر صادقة واضحة لا تتوارى عن الأعين والألسن، بل هي مشاعر ثمينة ترفض المحو والإزالة.

لكن زمن الرسائل الإلكترونية المعلبة، قدم صور القلوب، واختصر الحب في رمز جامد خال من كل إحساس ونبض صادق، كما تبادل العاشقان رمزية الوردة الحمراء، بدلاً من لمسها أو شمها أو تخليد لحظة تبادلها في الهواء الطلق، لقد تبلدت الحواس، وأصبحت معلبة فارغة من كل إحساس، نحاول أن نهرب منه فيحاصرنا بذاكرتنا.

لقد كان للبدر بيت عميق في هذا المعنى، ولو قدر له أن يحترف العشق الإلكتروني لما قال:

لا تردين الرسائل ويش أسوي بالورق

وكل معنى للمحبة ذاب فيها واحترق

نعم كل معنى للمحبة، من لون الحبر وتخضيب الأوراق بعرق الانتظار والخوف والأمل، فهذه الرسائل الورقية كتبت بدم القلب، واحتفظت بكل معنى للمحبة، وإن كان توثيقا للماضي المفقود، إلا أن هذه الأوراق أحرقت قبل أن تحترق معاني المحبة فيها.

هذا البيت أيضا يمثل رؤية المجتمع سابقا للعشق، وثقافة العاشق الواثق، فكل من العاشقين يحترم مشاعر الآخر، فحين وقفت الظروف ضد العاشقين، فضل كل منهما إعادة ما يمثل تلك المشاعر حسيا، والمتمثل في الرسائل، تلك التي حملتها تلك المرأة لمحبوبها لأنها من حقه، لم يعد بإمكانها الاحتفاظ بها، في ظل علاقة اجتماعية جديدة، تفرض عليها الوفاء لقلبها والوفاء لواقعها الجديد، ولو حدث مثل هذا في الزمن الجديد لتحول العاشق لذئب مفترس، وساوم المرأة على كل حرف كتبته لحظة صدق عاطفي، ولما امتلكت تلك المرأة الشجاعة لترد له تلك الرسائل، ولحاولت الهروب منه؛ كي لا يقوم بمساومتها على ذلك الماضي الذي لم يكتب له الاستمرار.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد