Al Jazirah NewsPaper Tuesday  22/06/2010 G Issue 13781
الثلاثاء 10 رجب 1431   العدد  13781
 
أزمة الإيدز التي نستطيع أن نتجنبها في أفريقيا
بان كي مون

 

في أضخم عيادات علاج مرض الإيدز في أوغندا، شاهدت مؤخرًا احتفالاً رائعًا بالحياة.

وكان المشاركون في الاحتفال عبارة عن فرقة من المغنين والراقصين وقارعي الطبول الأفارقة من الشباب الذين تتراوح أعمالهم ما بين ثمانية إلى ثمانية وعشرين عامًا.

والحق أن مشاعري نادرًا ما تحركت بقدر ما حركها ذلك المشهد الرائع.كان الشباب ينشدون: «هذه أرضنا، حيث يضحك الناس ويرقصون في وئام، إنها إفريقيا... إفريقيا».

وبالفعل، ضحك هؤلاء الشباب ورقصوا ليس فقط في وئام وانسجام، بل وبكل استمتاع وحب للحياة، حتى إن وجوههم كانت مضيئة ومشرقة، الأمر الذي غمر نفوسنا جميعًا بالسعادة والبهجة. وحين كنّا نستمع إليهم، كان من الصعب أن نتخيل أن هؤلاء الشباب قد يفارقون الحياة بكل سهولة - وكان ذلك ليحدث حقًا لولا هذه العيادة.

إن كلاً من فناني الأداء الرائعين هؤلاء يتعايش مع فيروس نقص المناعة البشرية.

ولقد وصل بعضهم إلى العيادة في حالة بالغة السوء من المرض حتى إنهم نادرًا ما يتمكنون من السير.

وكان بعضهم الآخر يعانون من أعراض قليلة ولكن الاختبارات أثبتت إصابتهم بالفيروس فأتوا من أجل تلقي العلاج. وكان المؤدون يتألفون من أمهات وآباء، وأخوة وأخوات، وأطفال وأجداد. وكانوا جميعًا عامرين بالحياة والصحة لسبب واحد فقط: المركز البحثي السريري المشترك في كمبالا، والعقاقير التي قدمها لهم المركز.

كانت أوغندا بؤرة انطلاق وباء الإيدز. فهناك بدأ البلاء؛ وهناك (كما في أماكن أخرى من إفريقيا) حصد الوباء أرواح أكبر عدد من البشر.

وبالرغم من ذلك فإن أوغندا تجسّد قصة نجاح. فقبل عقد واحد من الزمان كان أقل من عشرة آلاف شخص يتعاطون الجيل الجديد من العقاقير المضادة للفيروسات، التي نجحت في قمع المرض وقدمت الوعد بحياة طبيعية.

واليوم بلغ عدد من يتلقون العلاج مائتي ألف شخص، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الدعم السخي من جانب الولايات المتحدة (في إطار برنامج بيبفار) والصندوق العالمي في جنيف.

ولقد شهدنا تقدمًا مشجعًا مماثلاً في أماكن أخرى. ففي بوتسوانا، بين بلدان أخرى، رأينا استثمارات مكثفة من أجل تقديم العلاج الشامل، والآن أصبحت بوتسوانا على الطريق نحو ضمان عدم ولادة أي طفل وهو يحمل فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب -وهو أمر واقع في البلدان المتقدمة، ولكن ليس في إفريقيا، حيث يولد أربعمائة ألف طفل حاملين للمرض في كل عام. وفي جنوب إفريقيا، حيث يعيش العدد الأضخم من الأشخاص المصابين بالفيروس، تم إنفاق ما يقرب من مليار دولار أمريكي على مدى العام الماضي في إطار حملة طموحة لتقديم المشورة وإجراء الاختبارات من أجل دحر هذا الوباء.

ولكنّ هناك خطراً جديداً ومتزايداً بأن يكون ما تم إحرازه من تقدم غير مستدام ولقد أخبرني روبرت موجيني الذي يدير المركز البحثي السريري المشترك بأن جزءًا من المشكلة يكمن في الأعداد الهائلة.

ففي أوغندا لا يتلقى سوى نصف المصابين بمرض الإيدز أو الحاملين للفيروس العلاج.

وفي الوقت نفسه فإن معين الأموال اللازمة للعلاج آخذ في النضوب وبسبب الركود العالمي فإن بعض الجهات المانحة الدولية تهدد بخفض دعمها المالي.

وتطالب بلدانٌ مثل ملاوي وزمبابوي وكينيا، فضلاً عن أوغندا، بالمساعدة من خلال توفير الإمدادات الطارئة من العقاقير المعالجة.

وفي كمبالا بدأ دكتور موجيني في وضع المرضى الجدد على قائمة الانتظار.

ومن المؤسف أن سبعة ملايين إفريقي ممن يحتاجون إلى الحصول على علاج فيروس نقص المناعة البشرية لا يتمكنون من الحصول عليه. ويبلغ الرقم على مستوى العالم عشرة ملايين.

وما يزيد الطين بلَّة أن الجهات المانحة أيضًا حوّلت تركيزها من الإيدز إلى أمراض أخرى، بسبب شعورها بأن المزيد من الأرواح يمكن إنقاذها بتكاليف أقل.

وفي وقت، حيث كان لزامًا علينا أن نصعد من جهودنا من أجل التغلب على تحدي الايدز، فإذا بنا نتراجع.

وفي حربنا العالمية ضد الإيدز أصبح المجتمع الدولي على وشك انتزاع الهزيمة من بين فكي النصر.

وأولئك الذين احتشدوا من أجل التصدي لهذا التحدي أصبحوا في انزعاج وغمّ عظيمين. فهم يخشون ضياع المكاسب التي تم تحقيقها طيلة العقد الماضي. ولقد قال لي دكتور موجيني: «نحن نجلس على قنبلة موقوتة»، فهو في كل يوم يضطر إلى اتخاذ خيارات أخلاقية لا ينبغي لأحد أن يتعرض لها على الإطلاق. فكيف يختار المرء بين علاج فتاة شابة أو علاج شقيقها الصغير؟ وكيف ترد امرأة حبلى تجلس مع أطفالها وتبكي طلبًا للمساعدة؟

من المؤكد أننا قادرون على تقديم ما هو أفضل من ذلك.

وفي كمبالا وعدت أصدقائي من الشباب بأنني سأبذل كل ما بوسعي للمساعدة.

وفي واشنطن قدمت الأمم المتحدة مؤخرًا خطة عمل من شأنها أن تعمل بشكل جذري على التعجيل بالتقدم على مسار صحة الأم والطفل، بما في ذلك علاج فيروس نقص المناعة البشرية.

وفي إطار المؤتمر الدولي لمكافحة الإيدز الذي ستستضيفه مدينة فيينا في شهر يوليو - تموز، فأرجو أن يحتشد المجتمع الدولي حول إطلاق برنامج الأمم المتحدة المشترك للعلاج 2 - الجيل القادم من علاج فيروس نقص المناعة البشرية، الذي لا بد وأن يكون متوفرًا بأسعار أزهد، وأن يكون أكثر فعالية وفي متناول الجميع.

وبوصفي رئيسًا لتجديد الصندوق العالمي لهذا العام، فإنني أحث كافة الجهات المانحة على أن تحرص على حصول بلدان مثل أوغندا على الدعم الذي تحتاج إليه، حتى لا يضطر دكتور موجيني وغيره من جنود الجبهة الأمامية في المعركة ضد الإيدز إلى مثل هذه الاختيارات العصيبة.

لقد غادرت أوغندا وما زلت استمع إلى أصداء الغناء في قلبي. وإنها لحقيقة صادقة، جليّة لكل من تسنى له أن يذهب إلى هناك لكي يرى: نحن ما زلنا نافعين لبلداننا وأسرنا. ولا نحتاج إلا إلى وسيلة تعيننا على الحياة، كل ما نحتاج إليه هو البقاء على قيد الحياة في إفريقيا.

أجل، إن العالم يمر بأوقات عصيبة. ولكن هذا سبب أدعى للعمل بأعظم قدر ممكن من التعاطف والسخاء.

أمين عام منظمة الأمم المتحدة
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010م.
خاص بـ(الجزيرة)


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد