Al Jazirah NewsPaper Wednesday  23/06/2010 G Issue 13782
الاربعاء 11 رجب 1431   العدد  13782
 
عينة من شجن المواطن
الأمن الصحي
د. فوزية عبدالله أبو خالد

 

أتابع في مقالي اليوم المحطة ما قبل الأخيرة لسلسلة مقالاتي التي اخترت لها هذا الشهر عينة من القضايا الأساسية التي قدرت أنها من صلب البحث عن علاقة «تعقادية» منضبطة محتكمة لمعايير حقوقية مقننة بين المواطن وبين الدولة تتجاوز ذلك النمط التقليدي العفوي الذي كان قائما

في الأطوار الأولى لتأسيس الدولة السعودية قبل المضي بحكم التطورات المحلية والعربية والدولية في التحول نحو بناء دولة حديثة بالمفهوم «السيسيوسياسي» للكلمة كما هو متعارف عليه في المجتمع العالمي المعاصر.

وكنت قد اختصرت تلك القضايا إن لم يكن اختزلتها في خمس قضايا فقط وهي سقف الصحافة كنافذة من نوافذ التعبير عن صوت المواطن، الأمن المعيشي، الأمن السكني، الأمن الصحي (موضوع هذا المقال) وموضوع مشاركة المواطن الاجتماعية والسياسية بالمجتمع. وهي باقة من القضايا التي تقتصر في مجملها كما لابد أن يلاحظ على مستويين فقط من مستويات علاقة المجتمع بالدولة، وهما مستويان تنظيميان ليس إلا. يتعلق المستوى الأول منهما بجانب «قطاع الخدمات العامة» المتمثل في السكن والعمل والصحة. أما الجانب الآخر فهو جانب اجتماعي سياسي يتعلق بمسألة الرأي والمشاركة. وقد بدأت هذه المقالات بمجرد مس مسألة التعبير مسا خفيفا من خلال تناول عينة بسيطة لكيفية نقل الصحافة المحلية لصوت المواطن، حيث سأنهيها الأسبوع القادم بمشيئة الله بتناول مسألة المشاركة بعد تناولي اليوم لموضوع الأمن الصحي.

الأمن الصحي:

ما هو الأمن الصحي؟

قبل محاولة الإجابة عن السؤال أود أن أحيلكم إلى مقتطف ساخر وصلني استباقا بالبريد الإلكتروني من احد القراء المتابعين لهذا السلسلة من المقالات ومما كتب فيه التالي: «بينما تتقدم الدولة بشكل يدعو إلى الزهو وفي فترة قياسية في الحرب على الإرهاب فإن نصيب النجاح في محاربة عدو من أكبر أعداء الوطن والمواطنين وذلك في مجال الخدمات الصحية لا يزال متواضعا، رغم ما يصرف عليه والحرص على معالجة آفاته التي قد تعرض حياة المواطن مثلها مثل الإرهاب للخطر. ومن ذلك بحسب الرسالة ما يلي:

1- «بيروقراطية متخشبة إن لم نقل متصلبة في التعامل مع الملفات الطبية للمواطنين لا يزيت مفاصلها إلا معسل الوساطة على أن تكون من المحسوبيات ذات الدرجة الأولى وليست تلك الآتية من سابع جد أو عبر «مكرمة أميرية» مستجداة يتضح فيها الوزن الخفيف للمستجدي.

2- معاملة متعالية من الطواقم المساندة تصلح وصفة سحرية لنشر «كره مراجعة المصحات الحكومية ولو على نقالة موتى» وكأن تلك الطواقم تقدم خدماتها للمواطن تكرما منها بدون أن تستلم راتب من الدولة، والموجع أن نفس أولئك الذين «يشينون» انفسهم و»يرزون خششهم» في الدوام الحكومي الصباحي، «يبشون ويهشون» في المساء في العيادات المدفوعة لنفس المنشأة الصحية كمستشفى الملك خالد الجامعي على سبيل المثال».

3- مواعيد طويلة الأجل وذلك ربما و»لا احط في ذمتي»، لإعطاء أطول فرصة ممكنة للمرض ليخلص المصحة من مؤنة عودة المريض. صحيح أن هناك طبيبا أو اثنين لا أكثر لكل الف مواطن إلا أن حل هذه الإشكالية ليست مهمة المريض.

4- خدمات إسعافية سلحفائية.

5- أدوية تعلم التعايش السلمي مع الألم.

6- تميز ما يسمى بخدمات المراكز المتخصصة كمركز السكر بالقدرة على إصابة المريض بجملة أمراض أخرى نظرا لضيقها وضيق عيون العاملين بها وقلة فعاليتها التوعوية والعلاجية أمام أعداد المرضى الكبير.

7- «التنطل» لأسابيع على النقالات بأسياب المستشفيات لريثما يجري تربية الاشجار وحلب الأبقار والتعاقد مع النجار لاختراع سرير للمريض.

8- عدم اضطرار المريض لابتياع مروحة خصف يدوية و»قصرية» لتعينه الأولى على تحمل حرارة الجو الخانقة بالمستشفيات الحكومية وتغنيه الثانية عن استخدام مرحاض المرضى المزري العام.

9- يتحدثون عن التأمين الصحي بلغة غامضة والمواطن الذي ليس لديه الوقت أو العادة لاقتناء وقراءة الصحف وليس للصحف مكانا في حياته غير استخدامها كمفتة للطعام لا يعرف حقيقة التأمين الصحي ومن المستفيد منه شركات التأمين أم المواطن أو المستشفيات؟

وسأكتفي بهذا القدر من الإيميل لئلا يصاب أي منا بغيبوبة السكر مما جاء فيه، لأختم بمحاولة إجابة ما هو الأمن الصحي:

الأمن الصحي هو أن يتوفر لكل مواطن نساء ورجالا وأطفالا ومسنين فرصة مجزية للحصول على الفحص والتشخيص والعلاج اللازم طبيا لا تقل عنها فرصة الحصول على التوعية والوقاية الصحية المطلوب توفرها على قدم المساواة لكل مواطن بغض النظر عما إذا كان يعيش في مدينة أو قرية نائية أو ما إذا كان في قمة أو قاع السلم الاجتماعي. الأمن الطبي معناه أن يجد المريض فرصة للحصول على سرير بالمستشفى دون كسر العيون وحب الخشوم وهو بكلمة واحدة ألا تهدر حياة المواطن بسبب عدم النظر للمسألة الصحية كمسألة أمن وطني او عدم جودة الخدمات أو عدم العدل في توزيعها.

فهل لدى وزارة الصحة رؤية وخطة استراتيجية وجدول أعمال بجدولة زمنية محددة قصيرة، متوسطة وبعيدة المدى يستوعب هذه المطالب البسيطة ويتعامل مع صحة المواطن كشأن لا يقل شأنا عن القضايا الأمنية الملحة؟

إن الصحف تطالعنا دائما بتصريحات رنانة في الشأن الصحي إلا أن المواطن صار نادرا ما يحملها محمل الجد بالمقارنة لتواضع الخدمات الصحية على أرض الواقع ولعدم معرفته بالجهة التي يمكن أن تكون مسؤولة عن مصداقية هذه التصريحات أو الجهة المناط بها مهمة الرقابة والمحاسبة لجهة التأكد من تحول هذه التصريحات إلى عمل ميداني يخدم الجميع.

غير أني قرأت ليس من فترة بعيدة كغيري من المواطنين حديث وزير الصحة عن وجود مشروع للإصلاح الصحي بمواصفات عالمية، وقد قدرت أن ذلك يمكن أن يكون جزءا حيويا من منظومة مشروع الملك عبدالله للإصلاح السياسي والاجتماعي. فهل يمكن أن نكون حقا جادين في تحويل الإصلاح إلى حالة وطنية عامة ولا تكون المسألة برمتها مجرد أحلام مؤجلة تتحجر مع طول الانتظار. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.



Fowziyah@maktoob.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد