Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/06/2010 G Issue 13783
الخميس 12 رجب 1431   العدد  13783
 
المنشود
رقصة القلطة
رقية سليمان الهويريني

 

لم أتمالك ابتسامة فرت مني وأنا أقرأ تحذيرا طبيا من لدن مدير الخدمات الطبية في مستشفى الملك فيصل بمكة المكرمة الدكتور خالد العبود حول الإفراط في القفز أثناء العرضة الجنوبية المسماة بالقلطة! وما يمكن أن تسببه تلك القفزات المصاحبة لتأدية العرضة من أضرار على العمود الفقري والمفاصل.

ولأنني اعتدت أن أكتب مقالا أسبوعيا يحمل طابع التوعية والثقافة العامة فقد استوقفني الخبرولاسيما أن هذه الرقصة الجنوبية الرشيقة تستلفت نظري وأبدي إعجابي بها في كل مناسبة، بما تحمله من الحفاظ على الموروث الشعبي وما تتميز به من خفة واستعراض لطيف يحمل الحماس بمصاحبة إيقاع الطبول السريع.

ولم أكن أدرك قط ما يمكن أن تسببه هذه الرقصات الشعبية من إصابات مختلفة سواء على القلب وعضلته أو على الشرايين، أو تأثيرها البالغ على العمود الفقري والمفاصل. وهو ما يتطلب توخي الحذر، وأخذ الحيطة والاعتدال في ممارسة هذه الرقصة الشعبية البديعة لتجنب أية أضرار يمكن أن تؤثر على الجسم من خلال القفزات العنيفة في بعض الرقصات والإفراط فيها،مما قد يؤدي لانزلاق غضروفي أو كسور خطيرة في العمود الفقري.

الأمر المؤلم أن الإصابات التي تحدث أثناء تأدية الاستعراضات والرقصات لا تظهر على المدى القصير بل تؤثر على فترات زمنية طويلة قد لا يشعر بها الإنسان وهو في قلب الحدث، ويصاب بآلام الظهر أعداد هائلة من البشر، ورغم أنها تتحسن وتختفي في معظم الحالات، إلا أنها أحيانا تستمر لمدة طويلة وتعيق صاحبها عن العمل ومباشرة حياته بصورة طبيعية، وتصبح هذه الآلام مشكلة صحية مزمنة إذا استمرت دون تحسن أو علاج. ومعروف أن أهلنا في الباحة ونجران وعسير وجيزان- حفظهم الله- يحيون مناسبات الأفراح والزيجات والأعياد بأسلوب فريد، ويظهرون السرور سواء بالرقص أو الأهازيج الشادية وبالكرم و(التلزيم).

والحق أن أجمل ما يلفت النظر ويسترعي الانتباه أثناء متابعتي لتلك الأهازيج والرقصات الجنوبية هو مشاركة الأطفال للفرقة، فتجدهم يتقمصون صورة الأب أو الأخ الأكبر، ويتملك الطفل الحماس، ويتصبب منه العرق ويبذل مجهودا خرافيا لمتابعة الفرقة وإكمال الرقصة وتحريك الخنجر ببراعة، وهو لا يزال يحافظ على لياقته وخفة حركته بصورة مذهلة.

وما أعرفه - وقد يشاركني فيه غيري من القراء مما يستحق الإشادة هو محافظة أهل الجنوب على قوامهم وأجسادهم الممشوقة.وربما يعود ذلك للطبيعة التي تتحلى بها تلك المناطق حفظها الله بأهلها فضلا عن أريج نسائم الهواء اللطيف غير المشبع بالسموم ودخان المصانع ،إضافة إلى توفر أنواع الفواكه التي تنتجها أراضيها دون غيرها.

ولقد أسفت حقا على نتائج الدراسة الطبية التي حملت تحذيرا جادا لأهل الجنوب بالتخفيف من ممارسة تلك الرياضة الجميلة المحببة لنا جميعا،حيث إن حركاتها أقرب للرياضة من الرقص الذي يحمل غالبا انحناءات وحركات توحي بالفخر والاعتزاز فحسب دون حماس ظاهر. برغم أن جميع الرقصات هي بالأصل رقصات حربية أو التعبير عن الفرح بعد نهاية الحروب وحمد الله على الانتصار.

وأياً كانت مغازي تلك الرقصات، فهي وإن كانت باهرة وتدخل السرور على النفس، إلا أن الصحة هي الأثمن والأغلى، ويمكن أن يعبر المرء بالفرح بتوسط واعتدال دونما تأثير على صحته.

وتؤسفني حقا الدعوة للتخفيف من إظهار مشاعر الفرح من خلال الأهازيج والرقصات،لأننا مللنا الاكفهرار والتذمر والتبرم والشكوى.

وهي دعوة لنشر ثقافة البهجة والسرور والأنس والبشر. وأرجو ألا يظهر لنا خبر طبي يحذر من السامري وتسببه في ارتجاج المخ، أو تأثير الدحة على الرئتين!

www.rogaia.net




rogaia143@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد