Al Jazirah NewsPaper Saturday  26/06/2010 G Issue 13785
السبت 14 رجب 1431   العدد  13785
 
إدارة المنظمات
م. عمر الأيداء *

 

قديماً كان الإنسان يعيش حياة بدائية، وكانت حاجاته بسيطة، من رعى، وحرث، واصطياد الحيوانات، والتي كان يقوم بها بنفسه دون الحاجة لمساعدة الآخرين، ومع مرور الزمن وتطور الحياة، تطورت حاجاته وتعقدت، وأصبح من الصعب تحقيقها بنفسه، دون مساعدة الآخرين، فالحاجة أم الاختراع، فكان اختراع المنظمات التي أحدثت نقلة كبيرة في الحياة البشرية، وساهمت بشكل كبير في الرفاهية، وإشباع الحاجات الإنسانية، والتطور على مختلف الأصعدة والجوانب، الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتقنية وغيرها، فالمنظمات تعد فعلاً من أعظم اختراعات الإنسان.

فما هي المنظمة التي ساهمت في ذلك التطور؟ ما هي المنظمة التي أحدثت تلك النقلة الكبيرة على مختلف الأصعدة والجوانب؟... المنظمة ما هي إلا تجمع بشري ومادي يتفاعلون فيما بينهم من أجل تحقيق أهداف محددة ومشتركة، أهداف من أجلها بنيت وأسست المنظمة، أهداف تنتهي بتحقيق وإشباع حاجات الإنسان التي كانت من الصعب تحقيقها بنفسه دون مساعدة الآخرين، بالإضافة إلى تحقيق التكامل والتعاون بين أفراد المجتمع، والمنظمات من حولنا وفي كل مكان، فهي ترافق الإنسان من ولادته وطيلة حياته حتى آخر يوم في عمره، فمن المنظمات الصحية، والتعليمية، والأمنية والزراعية والغذائية والتقنية إلى المنظمات الاجتماعية والنفسية والترفيهية والرياضية، وغيرها الكثير من المنظمات، التي تقدم الخدمات المختلفة للإنسان؛ لإشباع حاجاته وتحقيق رغباته.

فاخترع الإنسان المنظمات، وسن القوانين والتعليمات، واللوائح والسياسات، لإدارة تلك المنظمات، لضمان الوصول إلى أهدافها، فالإنسان هو المسيطر والمدبر، وهو الآمر الناهي، ومع مرور الوقت والزمن، وتشعب الأعمال والوظائف، وزيادة حجم المنظمات، وكثرة اللوائح والتعليمات، والقوانين والسياسات، انقلبت الطاولة، ودارت الدائرة، فسيطرت المنظمة، وأصبح الآمر الناهي سابقاً هو من ينفذ تعليمات وقوانين المنظمات، فخضع الجميع للأنظمة، وما تمليه لوائح وتعليمات المنظمة.

«النظام لا يسمح»، «التعليمات تمنع ذلك»، «هذا يعارض سياسة المنظمة»، «اللوائح واضحة وصريحة، وتمنع مثل تلك الأعمال»، «هذا يتعارض مع ثقافة المنظمة»، «لا تنطبق عليك الشروط المحددة وفق الأنظمة»، كلمات وجمل كثيراً ما نسمعها من هنا وهناك وكثيراً ما تقال لنا، ونرددها أحياناً، ما الذي جرى وحدث، أصبحت المنظمات تسيرنا وتوجهنا وترشدنا، أصبحت الوسيلة والأداة هي الآمر الناهي، أصبحت المنظمات هي الرئيس، هي من تملي اللوائح والتعليمات، والأنظمة والسياسات، وأصبح الإنسان هو المرؤوس، وهو من ينفذ تلك الأنظمة والتعليمات بدقة دون اعتبارات وتجاوزات.

أنا لا أدعو إلى تجاوز الأنظمة والتعليمات، وتخطي اللوائح والسياسات، ولكن أدعو إلى عودة الحق المشروع، والإدارة المسلوبة، عودة الإنسان إلى تسيير المنظمة، وقيادة دفتها، عودة الإنسان إلى إدارتها وإحكام سيطرته عليها، عودة الأهداف السامية التي من أجلها وجدت المنظمة، عودة الغايات التي لأجلها اخترعت المنظمة، عودة إشباع الحاجات وتحقيق الرغبات الإنسانية.

فما المانع من تعديل اللوائح والأنظمة، أو حتى تجاوزها لخدمة المواطنين، وإشباع حاجاتهم ورغباتهم، بما لا يضر المصلحة العامة، ولا يكون على حساب مواطن آخر، فالمنظمات لم توجد أصلاً إلا لخدمة الإنسان، وإشباع حاجاته وتحقيق رغباته، فما بالها اليوم تكون عائقاً أمام ذلك، وسداً منيعاً لتحقيق تلك الأهداف السامية، فالرفق بالمواطنين وعدم الشق بهم لا يكون إلا بتحقيق رغباتهم، وسد احتياجاتهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فأرفق به».

وقفة

يقول الفيلسوف ديكارت مؤسس المذهب العقلاني الحديث: «أنا أفكر إذاً انأ موجود»، ويمكن تعديلها أو الزيادة عليها لتصبح» قول لي بماذا تفكر أقول لك من أنت»، فمن المعروف بداية كل العلوم الإنسانية والطبيعية أفكار، فالأفكار تؤدي إلى التصورات، ثم إلى مفاهيم ومصطلحات، وإلى فرضيات ونظريات، وفي النهاية إلى سلوكيات وأفعال، حتى على مستوى الإنسان، سلوكياته وأفعاله ما هي إلا ترجمة لأفكاره، فمثاله كالرحى كما وصفه ابن القيم، يطحن ما ألقي فيه، فإن ألقي فيه حباً وأفكارا إيجابية دار فيها، وإن ألقي فيه زجاجاً وحصاً وأفكاراً سلبية دار فيها،، فإذا جاء وقت العجن والأفعال والسلوك تبين له حقيقة طحينه، فإن كانت أفكاراً إيجابية خرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره، وإن كانت أفكاراً سلبية خرج دقيقاً فاسداً، فأنت مرتبط بأفكارك، وإن أردت تغيير نفسك فغير أفكارك أولاً؛ لأن تغيير الأفكار أسهل من تغيير العادات والسلوكيات.



alaidda@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد