Al Jazirah NewsPaper Saturday  26/06/2010 G Issue 13785
السبت 14 رجب 1431   العدد  13785
 
مجداف
حسناوات الفضائيات سبب الانهيارات
فضل بن سعد البوعينين

 

استمعت الأسبوع الماضي إلى برنامج إذاعي كال فيه مقدمه سيل التهم لمحللي القنوات الفضائية، وحملهم مسؤولية انهيارات السوق المتتالية، وتسببهم في كثير من المشكلات المالية التي تعرضت لها السوق والمتداولين.

أعتقد أن كفاءة السوق، وإدارته، المستثمرين، الأنظمة، المتداولين، ومعطيات الاقتصاد هم من يحددون في النهاية وجهة المؤشر بغض النظر عما يقوله الآخرون. الأكيد أن التأثير النفسي المبني على التوقعات المستقبلية له دور مساعد في تشكيل قرارات الاستثمار، إلا أن منفذ القرار هو المسؤول الأول عن النتائج.

رغم القصور والأخطاء، ما زلت أعتقد بوجود كفاءات تحليلية متميزة وقادرة على طرح القراءات الدقيقة للسوق، إلا أن قراءاتهم التحليلة لا يمكن أن تكون مؤثرة في سوق مختطفة تتقاذفها أمواج كبار المضاربين الذين يتحملون الجزء الأكبر من مشكلة الانهيار، وتبعاته حتى اليوم، إضافة إلى مسؤولية هيئة السوق المالية المباشرة التي سمحت للمؤشر بتجاوز حدود المنطق، وبلوغه مستويات 21 ألف نقطة. التركيز على المحللين يحجب الرؤية عن الأخطاء الحقيقية المتسببة في وقوع الانهيارات المتتالية ذات العلاقة بكفاءة الإدارة الفنية للسوق، الأنظمة والقوانين، الإستراتيجية المنهجية، دور القطاع المصرفي في الكارثة، أخطاء الوسطاء، صناديق الاستثمار، خطط الحماية، التدخل الحكومي المُحَيد، دور مجلس الشورى الرقابي والتشريعي، محاسبة المسؤولين، هشاشة سوق الأسهم السعودية، وتبعيتها للأسواق الخارجية، وانفصالها عن مقومات الاقتصاد الوطني، عدم تجاوبها مع المؤثرات الإيجابية الداخلية، وعدم تناغمها مع حركة الاقتصاد والنمو المطرد، واهتزاز ثقة المتداولين لأسباب إشرافية إدارية، وأمور أخرى لا يمكن حصرها.

تحميل محللي الأسهم مسؤولية الانهيار يقودنا إلى التذكير بقضايا شركات الاستثمار (جمع الأموال) التي تعرضت لانهيارات مشابهة لانهيار سوق الأسهم، وتكبد المواطنون بسببها خسائر فادحة وصلت حد فقدان رأس المال، فهل يمكن أن نُرجِع سبب انهيار سوق الاستثمار الوهمي للمحللين أيضا، على الرغم من عدم تواجدهم ضمن المشهد الاستثماري المشبوه؟!. هناك أيضاً حادثة ارتفاع أسعار مكائن الخياطة المستعملة، ووصول سعرها في سوق السلع المستخدمة (الحراج) نحو 40 ألف ريال، فهل كان للمحللين دور في ذلك الجنون أيضا؟! أما ما جرى في سوق العقار لثلاث دورات اقتصادية ماضية يتطابق في حركته مع ما حدث في سوق الأسهم 2006، وربما نحن مقبلون على انفجار فقاعة العقار الأخيرة، في غياب تام للمحللين، المتهم المزعوم في كارثة السوق!.

طالما أن الأمر لا يخرج عن الاتهام غير المبرر، فأود أن أستغل المساحة المتاحة لاتهام طرف آخر بالتسبب في انهيارات السوق، وإن كانت بطريقة غير مبررة أيضاً!. يُقال «ومن الحب ما قتل» ونقول «ومن الحُسن ما تسبب في الانهيار». عندما خسر مؤشر داو 1000 نقطة خلال 30 دقيقة، أُرجِعَ السبب إلى خطأ بشري حين ضغط أحد العاملين في السوق على الحرف ( B ) الذي يرمز عن بليون، بدلاً من إدخال ( M ) أي مليون وهو الرمز المقصود، لبيع أسهم «بروكتور أند غامبل»؛ الخطأ البشري تسبب في إغراق السوق ببيع 16 بليون سهم بدلا من 16 مليون، فحلت الكارثة.

أعتقد أن بعض تجار العقار المتحولين إلى الأسهم، ممن يتعاملون مع أجهزة التداول المباشرة، وخطوط الهاتف، وبعض كبار المستثمرين، ومنهم رجال المال والأعمال الذين يستثمرون بالمال والنظر أيضاً، ربما انشغلوا بمتابعة إيماءات حسناوات الفضائيات فاختلطت عليهم أزرار وأوامر البيع والشراء، والكميات المستهدفة ما تسبب في إطلاق شرارة الانهيار التي لم تنطف نيرانها حتى اليوم!. قال أحد الشعراء في محبوبته: (حبيبي لا نوى بخلاف ظني... يخلي الجيب دلاعِ زراره) ويعني في ذلك، لمن لا يحسن اللهجة الشعبية، أن محبوبته متى أرادت أن تُذهب عقله، فما عليها إلا أن تترك زرار ثوبها العلوي مفتوحاً!؛ لم تعد هناك حاجة لفعل ذلك، فالجيوب باتت منزوعة الأبواب أصلاً، ومفاتنها تُخلِف ظنون المتداولين، وأباطرة الأسهم من متتبعي النظرات!.

وفي قصيدة أخرى قال أحد الشعراء (تذكرت يوم أقبلت كنك تحسب اخطاك... تمايل بعودِ نايف الطول رياني وترفع طرف ملبوسك الضيق بيمناك... شلال شعرك تنثره فوق الأمتاني)؛ لم تعد هناك ملابس ضافية تُرفع لسلب عقول الناظرين، فالملابس باتت أقصر من أن ترفع، بعد أن تقلصت إلى ما فوق الركبة، وهو ما أعتقد أنه من مسببات حدوث (لوثة التداول) المستمرة لدى بعض كبار المستثمرين والمضاربين ما نتج عنه الانهيار!، أو لعله أشغل المراقبين والمشرفين عن أداء دورهم الرقابي في السوق، فوجد المتلاعبون فسحة من الوقت والغفلة لتنفيذ مخططاتهم المشؤومة على عجل! والدليل أن عقوبات مخالفات العام 2006 نُفذت على المخالفين في العام 2010!.

ألم أقل بإمكانية تسبب حسناوات الفضائيات بانهيارات السوق، وانشغال المراقبين!؛ لما لا طالما أن الجميع يبحث عن متهم بديل يُعلق رقبته على حبل المشنقة. رغم اتهامي التعسفي لحسناوات الفضائيات بعلاقتهن بالانهيار، أجد نفسي غير قادر على محاكمتهن، ومحاولة استبدالهن بغيرهن!

أترك الهذر جانباً، وأعود إلى الجد، فترك السوق لمواجهة المتنفذين، والسيطرة عليها، والإثراء غير المشروع من خلالها، وعدم الكشف عن الأسباب الحقيقية للانهيار، ومحاسبة المقصرين، المتسببين، والمستفيدين من المعلومات الداخلية التي أنقذتهم من الانهيار، والتأخر في المعالجة ووضع الحلول وخطط التطوير، والاستفادة من الأخطاء، هو ما تسبب، ويتسبب في هشاشة السوق، وضعفها، وتعرضها للانهيارات المتتالية.

***

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد