Al Jazirah NewsPaper Saturday  26/06/2010 G Issue 13785
السبت 14 رجب 1431   العدد  13785
 
ماذا بعد ؟!
الأمن المائي.. تحدّي القرن الحقيقي!!
عبدالحميد العمري *

 

يقوم مفهوم الأمن المائي على ركيزة رئيسة تستهدف بالدرجة الأولى؛ تحقيق الكفاية والضمان عبر الزمان والمكان في مجال تلبية الاحتياجات المائية المختلفة كماً ونوعاً، مع ضمان استمرار هذه الكفاية دون تأثير بالاعتماد على تحسين وزيادة كفاءة استخدام المتاح من المياه المتوافرة، والعمل على تطوير أدوات وأساليب تلك الاستخدامات، إضافةً إلى تنمية تلك الموارد المتاحة من المياه الحالية، وأخيراً القيام بالبحث عن موارد جديدة سواءً كانت تقليدية أو غير تقليدية. وهذا المفهوم يربط بين الأمن المائي وبين ندرة المياه.

وفي السعودية التي تمثل الصحراء أكثر من ثلاثة أرباعها، تُعد المياه فيها من أندر الموارد الحيوية مقارنةً بالموارد الطبيعية الأخرى المتوافرة فيها، إذ تُقدّر بنحو 70-100 ملم سنوياً فقط! ما يؤهلها فعلاً لأن تتحول معه قضية تحقيق مفهوم الأمن المائي إلى قضيةٍ وطنيةٍ ذات أبعاد إستراتيجية عالية الأهمية، حاملةً في طيّاتها دلالاتٍ عميقة قد تصل بها أحياناً إلى درجاتٍ معينة من الخطورة، وهو ما أكّدته خطّة التنمية الثامنة في تقديراتها المشيرة إلى انخفاض مخزون السعودية من المياه غير المتجددة بنسبة 60 في المائة خلال ربع القرن الواقع بين عامي 1979م - 2004م، بسبب زيادة استخدام المياه في الأغراض الزراعية والصناعية. كما أن الاطلاع على مُلخص الحقائق الرقمية التي تبين الوضع الراهن والمستقبلي للموارد المائية في السعودية من جانب، وتوقعات نمو الطلب السكاني والصناعي والزراعي على المياه من جانبٍ آخر، ومما توافر لدينا في هذا الشأن ما أوضحته خطط التنمية حول التحديات الجسيمة مستقبلاً، المتمثل في تحديات الطلب على المياه خلال العقدين القادمين، فقد أوضحت بأن الطلب الإجمالي على المياه في السعودية سيزداد من نحو 22.2 مليار متر مكعب المتحققة خلال عام 2008م، ليصل مع نهاية 2020 إلى نحو 27.8 مليار متر مكعب بمعدل نمو سنوي متوسط يبلغ 1.4 في المائة.

أمّا على المستوى التفصيلي فتتوقع الخطّة أن يزداد طلب القطاع المنزلي على المياه من نحو 1.9 مليار متر مكعب خلال عام 2008 إلى نحو 3.1 مليار متر مكعب في عام 2020 أي ما يقارب 11 في المائة من الإجمالي، وبمعدل نمو سنوي متوسط يبلغ 2.8 في المائة، وتوقعت الخطّة أيضاً أن تستأثر التجمعات السكانية في المدن الكبيرة التي يزيد عدد سكانها عن 250 ألف نسمة بما يُقارب 63 في المائة من إجمالي الاستهلاك، حيث يُقدر أن يزداد عددها من 11 مدينة في الوقت الراهن إلى نحو 17 مدينة بنهاية عام 2020م.

كما يُتوقع أن يزداد الاعتماد في تلبية ذلك الطلب على مياه التحلية كرديفٍ مساعد للمياه الجوفية، بما يؤكد على أهمية رفع الكفاءة الإنتاجية والاقتصادية لصناعة التحلية وخفض تكاليفها، إضافةً إلى أهمية تطوير مصادر المياه الجوفية والسطحية. وعلى مستوى الطلب الصناعي للمياه، فمن المتوقع أن يزداد من 0.74 مليار متر مكعب خلال عام 2008 إلى نحو 1.7 مليار متر مكعب في عام 2020 أي ما يقارب 6 في المائة من الإجمالي، وبمعدل نمو سنوي متوسط يبلغ 6.5 في المائة، وترجّح الخطة أن يتم تلبية أغلب احتياجات القطاع الصناعي في هذا الخصوص من المياه المعالجة، وذلك أسوةً بالتجارب الناجحة للعديد من الدول الصناعية الكبرى.

وعلى مستوى للطلب الزراعي الذي يستأثر بنحو 88 في المائة إجمالي المياه المستخدمة في السعودية، فيُتوقع أن يزداد من نحو 19.5 مليار متر مكعب في عام 2008 إلى نحو 23 مليار متر مكعب في عام 2020 أي ما يقارب 83 في المائة من الإجمالي، وبمعدل نمو سنوي متوسط يبلغ 1.0 في المائة.

وقد وضعت الحكومة العديد من الأهداف والسياسات والبرامج الساعية لتحقيق وتلبية متطلبات كل قطاع، ويتحول التفكير هنا إلى إلقاء الكثير من التساؤلات حول مدى نجاح أو تقدّم تلك الطموحات «التخطيطية»، خاصةً وأننا وفق ما نراه ونسمعه بل ونعايشه على امتداد مُدن وقرى السعودية أصبحنا نتلمس بشكلٍ مباشر الأزمات المفاجئة للمياه، ممثلةً في العديد من إشكالاتها المتنوعة لعل من أبرزها بعض الانقطاع المتكررة في العديد من أحياء المدن الكبرى بما فيها العاصمة؛ دع عنك ما تعانيه بقية المدن المتوسطة والصغيرة من انقطاع أصبح «روتين حياةٍ اعتاد سكانها عليه وتآلفوا معه»، أمّا بالنسبة للقرى والهجر فلا زال سكانها يفتقدون إلى الحد الأدنى من المياه الصحية التي تتوافر فيها شروط ملائمتها للاستخدام الإنساني. إننا ونحن نقف جميعاً على نقطة «زمانكيّة» أقل ما يُمكن القول عنها إنها مصيرية وخطيرة؛ أولاً تتمثل هذه النقطة في ضعف وضآلة الإمداد المائي الراهن، وثانياً تتمثل في الحجم الكبير للتحديات المستقبلية التي نتأمل جميعاً تجاوزها.

يحق لنا المطالبة بأن يتحول «الأمن المائي السعودي» إلى شعارٍ وطني نعمل جميعاً بكافّة أطيافنا الرسمية والأهلية والاجتماعية على تحقيقه، نُسخّر لأجله كافّة القدرات والموارد المتاحة والممكنة. ليس في هذا المقام أي مجال للتأخير أو التكاسل، إذ أن التقديرات العالمية تُشير إلى احتمال ارتفاع عدد الدول التي تعاني من أزمة مياه حقيقية بنهاية عام 2020 إلى نحو 40 دولة يقع معظمها في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وليس بجديدٍ أن تنظر الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بالأمن الغذائي والمائي إلى منطقة الخليج على أنها أسوأ منطقة تواجه أزمة مياه في العالم، وذلك لما تعانيه المنطقة من عجز مائي وصل إلى 15 مليار متر مكعب في عام 2000، وتتوقع أن يرتفع إلى نحو 31 مليار متر مكعب في عام 2025م.

هناك العديد من الأفكار والرؤى في مجال ترشيد وتحفيز الإنسان على التعامل مع الماء على أنه وسيلة البقاء الأولى والأخيرة، وتلك قضية تستحق منا جميعاً أن نتدخل لتضمينها داخل أروقة التربية والتعليم لدينا، وعبر وسائل الإعلام والإعلان على حدٍ سواء، بل وعبر كل وسيلة اتصال مع الجماهير، إني لأرجو في ختام هذه المقالة –التي لم ولن توفي هذه القضية حقها كاملاً- أن يحظى هذا التحدّي الجسيم لنا جميعاًَ والأجيال القادمة بأقصى اهتمامنا جميعاًَ، وأن احتمالات الخطر الداهم قائمة، بل وتتوسع فترة بعد فترة ما يؤكد على أهمية أن يتكاتف الجميع من أجل تحقيق أمننا المائي المشترك، وأستودعكم الله.

عضو جمعية الاقتصاد السعودية


me@abdulhamid.net

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد