Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/06/2010 G Issue 13789
الاربعاء 18 رجب 1431   العدد  13789
 
رفقاً بالعوام يا أصحاب الفضيلة!

 

أتابع ما يكتب في صحيفتكم الغراء من طرح شمولي شفاف حول الكثير من القضايا الحساسة التي تمر بها بلادنا في هذه المرحلة المفصلية من الحراك الاجتماعي والثقافي، وليقيني أن صفحات الجزيرة أكثر اتساعا من بياض أوراقها وزحام أحبارها، آليت على نفسي إلا أن أشارك عبر صحيفتكم الغراء برأي قد يختلف عن الفريقين الذين عم صوتهما الساحة الاجتماعية لأطرح صوت لا أزعم أنه صوت الأغلبية وإنما صوت لا يمكن تجاهله في زمن يستدعي مشاركة الجميع لتجاوز الخلاف وتحويله من طاقة تعطيل إلى طاقة تحفيز.

سيدي رئيس التحرير.. لماذا كلَّ ما اعتدنا على حرمته بالأمس أصبح اليوم حلالاً ومحل خلاف.. «يا الله دخلك حتى العلماء تغيروا!» بهذه الكليمات المختصرة ترجم أبو محمد الرجل الثمانيني الصادق صدمة المجتمع السعودي تجاه اختلاف أقوال العلماء حول عدد من الفتاوى مثيرة للجدل مؤخرا!

أبو محمد نموذج لجيل نشأ وترعرع في حين غفلة من الخلاف ينسجم في وصف حاله ما قاله شاعر شعبي:جلس مثل الرضا في قلب من صلى العشاء بنعاس!

فتاوى إرضاع الكبير والاختلاط وإباحة الغناء لا ينبغي قراءة نتائجها في سياق فتاوى لعلماء أو مشايخ بقدر ما تكشف ضعف بنية الوعي الشرعي في المجتمع في الوقت الذي ظللنا فيه ولسنوات كثيرة نفاخر بمتانة العلم الشرعي في تعليمنا وتأثيره في مؤسساتنا الثقافية وتفريطنا ولسنوات طويلة في الانفتاح على مناهج التعليم ولغات العلم الحديث حماية لصلابة هذا العلم وحصانة لذلك التعليم.. لن أصطف مع أي طرف من الفريقين ولكني سأتحدث بلسان ملايين الناس الذين يسميهم أصحاب الفضيلة بالعوام.. العوام الذين يحلمون بمسكن ووظيفة ومأمن واطمئنان ومستقبل واعد لأبناء يحسنون تعليمهم وتأهيلهم في عالم تنافسي يموج بالخوف والاضطراب.. العوام الذين اشرأبت أعناقهم سنوات طوال إلى منابر أصحاب الفضيلة ليبينوا لهم الحلال والحرام!

عجب حين يطرح عالم فتوى إرضاع الكبير في رأي تاريخي خاص لحادثة تاريخية خاصة ويقدمه في مجتمع مضطرب بالخلاف دون أن يساهم في تهيئة وعي المجتمع لرأي كهذا، مستثمرا فرص الشيوع الإعلامي لأي رأي مخالف وجديد... وأكثرمن ذلك العجب حين يقدم صاحب فضيلة آخر فتوى بالقطارة وبالتقسيط حول إباحة الغناء بحجة أن ليس لديه ما يخسره، وكأن الدين سوقاً للربح والخسارة!.. والأكثر عجباً حين يعتلي منبر الحرم المكي صاحب فضيلة آخر ليشغل في خطبة تشرئب لها أعناق مليار ومائتي مليون مسلم - أكثر من ثلاثة أرباعهم لا يتكلم العربية - ليرد فيها على أصحاب فضيلة في أمر فتاوى إما لا تعني غالبية المسلمين أو لا تنطبق على بيئاتهم، أو فتاوى في قضايا خلافية تتسع المذاهب الإسلامية فيها لمساحة رحبة من الخلاف..

الأثر القاسي على المجتمع لم يكن في طرح مثل تلك الفتاوى أو ردود الأفعال حولها بقدر ضيق أصحاب الفضيلة ومريديهم تبعا بالخلاف وشخصنته والاصطفاف مع الفرقاء دون النظر إلى القضية محل الخلاف وطرحها للنقاش بشفافية أمام العوام أقصد المجتمع.. هل ينبغي على المجتمع أن يدفع ثمن خلاف لا يعرف تفاصيله ولا مصالح كل طرف فيه.. أين الجامعات الإسلامية والمراكز التي أنفقنا المليارات في مسيرة التنمية لبنائها والتي خرّجت آلاف المتعلمين والمتسلحين بالعلم الشرعي.. لماذا عجزت وأحجمت جامعاتنا الإسلامية مثل جامعة الإمام أو جامعة أم القرى أو الجامعة الإسلامية بالمدينة عن التفاعل مع تحديات المرحلة والدعوة لعقد مؤتمر علمي تستضيف فيه عدد من العلماء المعتبرين لمناقشة هذه القضايا وطرحها أمام الإعلام ليتعرف الناس أجمع على حدود الخلاف الشرعي المعتبر وتفاصيله... لماذا لم يتطوع كرسي بحثي واحد من الكراسي التي تملأ الجامعات بتقديم منح علمية لباحثين يحررون هذه المسائل الخلافية.. مأساة حقيقية حين يتحول موقع أحد مصدري الفتاوى مثيرة الجدل إلى محضن لأسئلة مخلة من بعض المتحمسين مثل: فضيلة الشيخ متى بدأت التنسيم؟ والأكثر ألماً حين يحول فضيلته كل سؤال ليطرح إجابته في سياق التأكيد على حملة تستهدفه من الطرف - التيار - الآخر.. أخيراً لا أزيد على أن اقول.. رفقاً بالعوام يا أصحاب الفضيلة!

فهد العبدالله


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد