أقرأ ما يُكتب على صفحات هذه الجريدة عن السياحة الداخلية وخطط النهوض بها، وخاصة في هذه الأيام التي نستقبل بها إجازة الصيف وفصل الصيف.. والمنتزهات الوطنية من أهم عناصر تشجيع السياحة الداخلية.
|
وفي شرق القصيم، وعلى رمال نفود «العريق» وأجزاء من نفود «الصريف»، نرى مساحات شاسعة وُضِعت عليها علامات تشير إلى منتزه القصيم الوطني، الذي يتبع وزارة الزراعة، وموقع المنتزه في مكان استراتيجي ومهم على رمال بيضاء وشعاب ووهاد جميلة ورائعة.. وعلى مسافة قريبة من بريدة وحاضرة القصيم.. كلما خرج المتنزهون في أيام الربيع الجميلة رأوا ذلك الموقع تكسوه حلة جميلة من الزهور والأعشاب الخضراء والمروج الزاهية تتراءى لهم من بعيد ولا يستطيعون الوصول إليه.. في جزء منه وضع مشروع «الإكثار من أشجار الغضا»، ولا نرى لهذا الغضا أي ظلل أو أثر.. ولماذا الغضا بالذات؟ أليس هناك ما هو أكثر ظلاً منه؟..
|
هذا المنتزه الذي يحتل مساحة شاسعة واسعة شرق القصيم بقي سياجا فقط يمنع المتنزهين بدلا من استقبالهم وفتح هذا المنتزه لهم؛ حيث لا يوجد هناك إلا السواتر الترابية والسياج.. يسير المتنزِّه عشرات الكيلومترات فلا يجد أمامه إلا سياجاً أو ساتراً ترابياً أو مكاناً لرمي المخلفات.. في جميع الصحاري المحيطة بمدن القصيم، ومنها هذا الموقع المخصص «منتزهاً» في شمال شرق القصيم.
|
ولا شك أن وزارة الزراعة ممثلة في فرعها بالقصيم قامت بجهود مشكورة في حماية هذا المكتسب الوطني وإكثار أشجار الغضا فيه، ولكنَّ مواطني المنطقة يريدون منتزهاً حقيقياً مفتوحاً لهم طوال أيام السنة، وخاصة في أشهر الصيف الحارة، ولا يمكن أن يكون المنتزه مناسباً لأيام الصيف ولياليه الشديدة الحرارة إلا بعدد من الخطوات التطويرية التي لا تغيب عن البال إطلاقاً.. ومن نافلة القول أن المنتزهات الوطنية هي محميات طبيعية ليعود الغطاء النباتي والغابي إلى الأراضي المتصحرة حول المدن.. ولكن ها هي هذه المنتزهات بعد حمايتها لم يعُد الغطاء الغابي إليها بحكم اختصاص أقسام الغابات والمراعي بوزارة الزراعة، الذي لا يتطلب منهم زراعتها صناعياً وإنما طبيعياً ومن خلال إكثار الأشجار الصحراوية التي تعيش في المنطقة.. ولعل لنا في (منتزه الزلفي الوطني) خير مثال؛ فهو جنة في وسط الصحراء، ومنتزه عملاق بدأ بالنمو والاخضرار على ضفاف كثبان ورمال نفود (الثويرات) وسهوبه وسهوله الفسيحة غرباً وشرقاً.. ففيه المسطحات الخضراء والأشجار الظلية والمشاتل المعطاءة.. ولعل (منتزه القصيم الوطني) ينحى منحى مغايراً نحو الاخضرار الجميل ليعطينا ظلا ظليلاً وشجراً جميلاً وزهراً متفتحاً وماء ينسكب كتلال ونافورة على سفوح ورمال كثبان (الصريف).. إنني أتمنى ويتمنى أهالي القصيم عددا من الخطوات التطويرية لهذا المنتزه، منها:
|
-1 زراعة أشجار مناسبة للبيئة الصحراوية، ولكنها خضراء وذات ظل ظليل، ولتكن موزعة على أنحاء هذا المنتزه بغير انتظام وبشكل يومي بأنها طبيعية مثل شجرة (البنسيان) ذات المجموع الخضري الهائل والجذر العريض، وقدر رأيتها في منطقة صحراوية بعد زراعتها فيها تعطي منظراً بهيجاً وزهراً برتقالياً جميلاً على الرغم من أنها لا تشرب إلا من مياه الأمطار؛ حيث تضرب جذورها في الأرض بحثاً عن الماء وخصوصاً إذا كان منسوب المياه السطحية قريباً، وهي بلا شك تحتاج إلى سقي أسبوعي بالماء في سنتها الأولى حتى تنمو وتشمخ وتضرب جذورها في الأرض وتصل إلى الرطوبة السطحية الدائمة مع وجوب تعميق حفرها، وكذلك أشجار (اللّبخ) وهي شجر صحراوي ذو مجموع خضري كبير وظليل أيضاً، وهي من فصيلة (الطلح) الذي نراه في الصحاري المنتشرة في الجزيرة العربية، وقد كانت صحارينا في أزمان غابرة تعج بالدوح، وهي أشجار الطلح الضخمة التي تشبه الدوحة لضخامتها حتى قضى عليها الاحتطاب الجائر والزحف العمراني.. قال الشاعر امرؤ القيس يصف مطراً اقتلع الأشجار الضخمة:
|
فأضحى يسحّ الماء حول كتيفة |
يكبّ على الأذقان دوح الكنهبل |
وكتيفة هذه تقع في منطقة القصيم.. وكثير من أشعار شعراء الجاهلية في القصيم تصف غابات الأشجار فيها.. فهل تعود هذه الغابات ولو إلى جزء من هذه الصحاري (ومنتزه القصيم)؟..
|
إنَّ إكثار أشجار (البنسيان) و(اللبخ) و(الطلح) في منتزه القصيم الوطني سيكوّن منها غابة ظليلة في (أعصر الصيف) الحارة؛ حيث تكون ظلاً يحجب أشعة الشمس ويأذن بالنسيم العليل.. كنت في إحدى المرات ذات الأيام الشديدة الرياح المثيرة للغبار والأتربة، التي تدنت إثرها مسافة الرؤية الأفقية إلى أقل من 1 كلم، وحين دخلت إلى منتزه (روضة خريم) الطبيعي ذي المساحة الصغيرة، صارت السماء صافية وكأنه لا أثر لهذا الغبار الثائر الهائج في خارج المنتزه.. أما في داخله فنسمات عليلة وأشجار خضراء متصلة.. فلماذا لا يسعى (منتزه القصيم) إلى أن يكون غابة ظليلة بأشجاره الصحراوية الخضراء، وذلك بتكوين مشتل لشتل هذه الأشجار وزراعتها بالمنتزه؟
|
-2وضع عدد من المرافق المهمة التي لا تؤثر على الصفة الصحراوية والطبيعية لهذا المنتزه كدورات المياه ونقاط للتزود بالمياه تكون منتشرة في أنحاء المنتزه الطبيعي، التي تسقي هذه الأشجار.
|
-3 يمكن وضع بحيرة مائية تغير من نمط الصحراء القاحلة الحارة صيفاً في هذا الموقع، ووضع نافورة عالية تحرك المياه فيها حتى لا تصبح راكدة تجمع البعوض والحشرات.
|
-4 يمكن أن تقوم وزارة الزراعة بالتنسيق مع الهيئة العليا للسياحة بإجراء الخطوات التطويرية لهذا المنتزه، وأن تتولى الإشراف عليه، بعد بناء ما ذُكر، الهيئة العليا للسياحة.
|
فمتى نفيق على الواقع الأخضر (لمنتزه القصيم الوطني)؟.. ومتى نرى غابة ظليلة في شرق القصيم؟.. متى نرى أشجاره تشمخ وتزداد اخضراراً في هذه المنطقة الخضراء، التي تزداد كل يوم تطوراً بعناية أميرها الأمير فيصل بن بندر وسمو نائبه الأمير الدكتور فيصل بن مشعل - حفظهما الله -.
|
م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني |
|