Al Jazirah NewsPaper Friday  02/07/2010 G Issue 13791
الجمعة 20 رجب 1431   العدد  13791
 
د. علي الشبل أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بالرياض لـ(الجزيرة):
الخلاف الموصل إلى الفرقة غير معتبر ولا يسوغ شرعاً

 

الرياض - خاص بـ«الجزيرة»

حمّل الدكتور علي بن عبد العزيز الشبل استاذ العقيدة بكلية أصول الدين بالرياض المفتين مسؤولية عظيمة في بيان الحق للناس من خلال الاستدلال بالكتاب والسنّة وقال: إن المفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يقول -عليه الصلاة والسلام-: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم)، والمفتي موقع عن رب العالمين في إيقاع أحكامه الشرعية، ولا بد أن تكون هذه الحقيقة في قلب المفتي أولاً: ليتقي الله - عزّ وجلّ-، ولا بد أن يقدرها، ثم لا بد أن تقدر الأمة ذلك وتعده لأمر سبحانه بطاعة أولى الأمر وهم قطعًا الأمراء والعلماء - قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمر مِنكُمْ}، فأمر الله سبحانه بطاعتهم، لكنها قيدها بطاعته وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جاء ذلك في حديث للدكتور الشبل عن عدد من المسائل المتعلقة بالإفتاء، والخلاف والإجماع في الأمة، وما يترتب على ذلك، وقال: إنه لجلالة هذه المهمة وعظم قدرها ديانة ومرافعًا، عظمت الشريعة منصب الفتيا، وهيأت له معاني، واشترط له العلماء في كتب الأصول والمقاصد شروطًا دارت على أمور معتبرة جدًا أهمها: حفظ الديانة وصيانتها، فلا بد من قدر عظيم من هذا الجانب يتحلى به المفتي، وما كان الورع إلا سياجًا حافظًا لهذا الأصل، مانعًا من الهوى والظلم، بل حاذرًا من الفرية والكذب والقول على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بلا علم، قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ اتّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}، وقال أبو قلابة - رحمه الله- وهو من سادات التابعين: (هي لكل مبتدع من هذه الأمة إلى يوم القيامة) قال الشيخ ابن تيمية: (فإن أهل الكذب والفرية عليهم من الغضب والذلة ما أوعدهم الله به).

وفي ذات السياق، أكَّد الدكتور الشبل على وجوب أن يكون المفتي عالمًا حافظًا لكتاب الله عزّ وجلّ القرآن، أو لآيات الأحكام منه على أقل تقدير متناولاً: لعلمه بناسخه ومنسوخه، ومحكمه، ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، وما أريد به، وأيضًا علمه وحفظه لسنّة النبي صلى الله عليه وسلم، أو على الأقل لأحاديث الأحكام منها، وأن يكون عنده من علوم الآلة التي يفهم بها كلام ربه وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم من اللغة والأصول، والصحة، والضعف، ومسالك العلماء والمجتهد به، ما يحقق مقصوده ويسع به فتاوى الناس، وأن يكون له من الفقه والعقل ما يفهم به النوازل وواقع المسائل وتكييفها الفقهي الشرعي، لا العاطفي والنفسي، وهي المعبر عنها العلماء بالقريحة الصحيحة أو الملكة الفقهية.

وشدد عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على أن المفتي المعتبر هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط القسط، فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم طرف الانحلال، كما أنه يراعي عدم التشويش على الناس ما ألفوه من دينهم، واتباعه معهم غرائب الأقوال وشذاذ المسائل، ولو كان ما هم عليه قولاً مرجوحًا، ما لم يكن مخالفًا دليلاً صحيحًا، أو مقصدًا معتبرًا من مقاصد الديانة، وقال: وبه نعرف هذه الغرائب والشواذ التي نسمعها بين الفينة والأخرى من بعضهم؟! أو تصدرهم لنوازل الأمة، والفتاوى العامة بالهوى والجهل المركب، وبالخروج عن قانون العلم ومسالك العلماء.

وفي سياق آخر، أبان د.علي الشبل أن من مقاصد الشريعة العظمى ترك التفرق، بل والتحذير منه، كما أن من مقاصد الديانة الاجتماع والوحدة على دين الله تعالى، ولذا ثنى الله في القرآن الأمر بذلك والنهي عن ضده ففي سورة آل عمران: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جميعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، بل حذّرنا سبحانه شأن الأمم قبلنا.. ولاسيما أهل الكتابين: اليهود والنصارى - في ذلك فقال سبحانه: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، وقال سبحانه في آيتي الأنعام: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، والسنّة النبوية الصحيحة طافحة بالأدلة المتكاثرة في التحذير من الفرقة والافتراق كأحاديث الافتراق، واتباع الأئمة المضلين، وتسليط بعضهم على بعض... الخ.

وقال: ولذا فالخلاف الموصل إلى الفرقة غير معتبر، ولا يسوغ شرعًا، لأن الخلاف في أصله وآثاره شر، كما قاله عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- لما أتم الرباعية في منى مع عثمان -رضي الله عنه- في الحج وقال قولته المسددة: (الخلاف شر)، وكذلك الخلاف في أصول الملة وقواعد الدين كأصول العقيدة، وأبواب الإيمان، وأركان الإسلام والواجبات كالبر والصدقة والوفاء بالعهود.. الخ والمحرمات ككبائر الذنوب من الزنا وشرب الخمور والسرقة والربا والعقوق.. الخ، فإن هذه لا يصح فيها الاختلاف ولا يسوغ، فإن وقع فهو غير معتبر، وهو خلاف مذموم!.

ومضى د. الشبل قائلاً: وكذلك الخلاف في الكتاب وإن كان المختلفان محقين - فهو منهي عنه شرعًا لما يوصل له ويؤدي إليه من الخلف في القرآن والسنّة ومصادر الملة ومعاقد الديانة، ومثل هذا ما رواه البخاري عن النزال بن سبرة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رجلاً قرأ آية سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ خلافها، فأخذت بيده، فانطلقنا به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له ذلك، فعرفت في وجهه الكراهية وقال: (كلاكما محسن، ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)، ولهذا قال حذيفة بن اليمان لعثمان بن عفان رضي الله عنهما (أدرك هذه الأمة لا تختلف في الكتاب كما اختلف فيه الأمم قبلهم) رواه البخاري وذلك لما رأى -رضي الله عنه-.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد