Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/07/2010 G Issue 13793
الأحد 22 رجب 1431   العدد  13793
 
وداعاً لحكام الظل العسكريين
يوريكو كويكي

 

ها هو ذا التاريخ يعود إلى تكرار نفسه في اليابان مرة أخرى. فعلى الرغم من الانتصار الانتخابي الساحق الذي حققه حزبه الديمقراطي الياباني في شهر سبتمبر - أيلول الماضي، فإذا برئيس الوزراء الياباني يوكيو هاتوياما يستقيل بعد 262 يوما فقط من توليه لمنصبه. والمحزن في الأمر أن التغيير المفاجئ لرئيس الوزراء أصبح يشكل حدثاً سنوياً في اليابان في أيامنا هذه، حيث تأتي استقالة هاتوياما كرابع انتقال مفاجئ للسلطة إلى زعيم جديد في غضون الأعوام الأربعة المنصرمة.

أثناء وجوده في المعارضة، كان الحزب الديمقراطي الياباني يوجه أعنف الانتقادات إلى الحزب الديمقراطي الليبرالي بسبب الانتقال من زعيم إلى زعيم. والآن، وقد فعل الحزب الديمقراطي الياباني نفس الشيء، أصاب الرأي العام الياباني الذهول وبدأ الناس في التساؤل عما إذا كان النظام السياسي الذي تتبناه بلادهم معطوباً بصورة أو بأخرى.

لقد لعب الأسلوب الأخرق الذي تعامل به هاتوياما مع القضايا الأمنية الوطنية الأساسية دوراً واضحاً في فشله. فقد عمل على تنفير حلفائه في الحزب الديمقراطي الاجتماعي حين قرر - بعد أشهر من التردد - احترام اتفاق مع الولايات المتحدة يقضي بضمان مستقبل قاعدة فوتينما الجوية في أوكيناوا. فبعد أن وعد بإغلاق القاعدة أثناء حملته الانتخابية، وبعد الضغوط التي مارسها أثناء توليه منصبه لإزالة القاعدة، كان تراجع هاتوياما عن موقفه سبباً في إرغام الاشتراكيين على الخروج من الائتلاف. وكان الحزب الديمقراطي الاجتماعي قد وعد برحيل القاعدة عن اليابان.

وبهذا فإن هاتوياما لم يخسر شريكاً رئيسياً في الائتلاف فحسب، بل إن الرجل الذي وضعه على رأس الحكومة أرغم على الخروج أيضاً. فقد استقال الأمين العام للحزب الديمقراطي الياباني الجنرال ايشيرو أوزاوا - وسيط السلطة الغامض - من منصبه في نفس وقت استقالة هاتوياما. والآن يبدو أن طموح أوزاوا إلى جعل الانتخابات القادمة بمثابة حسن الختام لحياته السياسية، من خلال تعزيز قوة الحزب الديمقراطي الياباني بوصفه حزباً حاكماً، بات عُرضة للخطر.

والواقع أن تخبط حكومة هاتوياما لم يكن مقتصراً على قضية القاعدة الأميركية فلي أوكيناوا، بل إن إهمالها كان جسيماً في التعامل مع مرض الحمى القلاعية الذي ضرب ولاية ميازاكي، الأمر الذي سمح بانتشار المرض وخروجه عن السيطرة. وبدلاً من الإشراف على إدارة الحكومة للوباء، قام هيروتاكا أكاماتسو وزير الزراعة والغابات وصيد الأسماك برحلة طويلة إلى كوبا للقاء راؤول كاسترو - وهو قرار في غاية الغرابة نظراً للعلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة واليابان. والواقع أن تلك الرحلة عملت على ترسيخ الفكرة القائلة بأن حكومة هاتوياما كانت مناهضة للولايات المتحدة في جذورها على نفس النحو الطائش الذي كان عليه رئيس كوريا الجنوبية السابق روه مو هيون.

ومع تحول الناخبين اليابانيين نحو دعم الأحزاب الجديدة بعد عقود من حكم الحزب الديمقراطي الليبرالي، نجح حزب شينسي في اكتساب قدرة جذب هائلة وعمل بذلك على تيسير إنشاء أول حكومة ائتلاف لا يشارك فيها الحزب الديمقراطي الليبرالي منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين. ولكن مع احتفاظ الحزب الديمقراطي الليبرالي بأغلب المقاعد في مجلس الشيوخ، سرعان ما تمكن من تشكيل ائتلاف مع خصومه القدامى في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الأمر الذي أرغم أوزاوا على العودة إلى المعارضة.

وفي عام 1999 استحوذ أوزاوا على السلطة في الحزب الديمقراطي الياباني، الذي أسسه هاتوياما وناوتو كان، رئيس الوزراء الجديد. ولقد استغرق الأمر عشرة أعوام حتى بات بوسع الحزب الديمقراطي الياباني تشكيل الحكومة، ولم يتسن لها ذلك إلا من خلال تشكيل الائتلاف مع الديمقراطيين الاجتماعيين. وبتفكيك هذا التحالف يكون هاتوياما قد دمر الأغلبية الحاكمة التي عمل أوزاوا بكل حيلته ودهائه على بنائها. وبرحيل أوزاوا بات بوسع الحزب الديمقراطي الياباني أن يجدد نفسه، بل وأصبحت الفرصة سانحة للحزب الديمقراطي الليبرالي أيضاً لتجديد نفسه.

إن مكمن الخطر في لعبة الكراسي الموسيقية لرؤساء الوزراء في اليابان هو أن هذا التشاحن السياسي يحول الانتباه عن المشاكل الخطيرة التي تواجه آسيا اليوم. فالآن أصبحت التوترات في شبه الجزيرة الكورية عند أعلى مستوى لها منذ عدة عقود من الزمان، والصين منهمكة في حشد قوة عسكرية هائلة. ويتعين على اليابان أن تسعى إلى تغيير هذا الواقع من خلال ضمان الاستقرار في آسيا، وليس بممارسة ألعاب سياسية عقيمة.

ولعل بقية بلدان آسيا تكون راضية ومكتفية بالجلوس ومشاهدة تبعات قِصَر نظر السياسات اليابانية، ما دام عجز اليابان عن العمل على دعم استقرار المنطقة لا يشكل أهمية كبيرة. والواقع أن عجز اليابان عن تقديم أي شيء لتايلاند في لحظة الاضطراب التي عاشتها مؤخراً ليشهد على مدى نجاح زعامة هاتوياما في القضاء على أي نفوذ لليابان في المنطقة.

وبوصفه وزيراً سابقاً للمالية، ونائباً لرئيس وزراء اليابان، ونتاجاً لحركة المجتمع المدني الشعبية، فإن رئيس الوزراء كان يواجه مصاعب هائلة، وخاصة في ظل الشائعات التي تزعم أن أوزاوا يعتزم الإطاحة به في الخريف. والواقع أن احتمالات استمرار حالة عدم الاستقرار داخل الحزب الديمقراطي الياباني تزيد من أهمية حرص الحزب الديمقراطي الليبرالي على إصلاح نفسه.

رغم أن أوزاوا ما زال يحتفظ بقدر كبير من النفوذ، وهو ما يعني أنه قد يكون قادراً على فرض إرادته على الحزب الديمقراطي الياباني، فينبغي ألا يُسمَح بها للحدوث أبداً. ذلك أن السياسات التي مارسها تاناكا وأوزاوا أسفرت عن إضعاف قادة اليابان المنتخبين لصالح زعماء الحزب الذين يعملون من وراء الكواليس. لا شك أن بعض القادة الجادين، مثل رئيسي الوزراء السابقين ياشيرو ناكاسوني وجونيتشيرو كويزومي، كانوا قادرين على التغلب على نظام «حكومة الظل العسكرية» على مر السنين، ولكن أي نظام ديمقراطي لا يستطيع أن يعتمد على انتخاب قائد عظيم كلما عُقِدَت انتخابات. ولعل سقوط أوزاوا يؤدي - أو لا يؤدي - إلى عودة السياسة اليابانية إلى حيث تنتمي: بين أيدي قادتها المنتخبين.

يوريكو كويكي وزيرة الدفاع ومستشارة الأمن القومي اليابانية سابقاً.
خاص بالـ الجزيرة


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد