Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/07/2010 G Issue 13793
الأحد 22 رجب 1431   العدد  13793
 
كيف تفقد مصداقيتك؟
د. علي بن محمد الحماد

 

مصداقية الرجل هي جوهر كيانه الاجتماعي، وعمود علاقاته المعرفية (الرسمية والأهلية)، إذا فقدها صار جسداً بلا روح، وذهب أديم وجه كله كدوح!

وما المرء إلا حيث يجعل نفسه

فكن طالباً في الناس أعلى المراتب!!

ولكن العجب الذي لا ينقضي من العجب أن المرء إذا اشتهر عنه الكذب، أو المبالغة، أو الرعونة في الوصف، أو العجلة، أو أخذ الأمور على ظاهرها، أو عدم التحقق في الأمور.

يذهب يلوم الناس لماذا لا يصدقون؟ لماذا لا يثقون بكلامه؟ لماذا لم يتعجبوا من أخباره؟

وهو في حقيقة الأمر هو الذي أفسد سمعة نفسه ومصداقية حديثه..!!

لذا يقول الناظم الحكيم:

كذبت ومن يكذب فإن جزاءه

إذا ما أتى بالصدق أن لا يُصدّقا!!

إذا عرف الكذاب بالكذب لم يزل

لدى الناس كذاباً وإن كان صادقاً!!

فانظر يا رعاك الله كيف يخربون مصداقيتهم الرسمية والاجتماعية والأسرية بأيديهم وأيدي.. فاعتبروا يا أولي الأبصار!!

لذا نقول لمن فقد ميزان كلامه، ومصداقيته عند الناس {فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم}!! ولقد حذرنا الله سبحانه من العجلة في نقل الأخبار، أو أخذها على ظواهرها فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، والفسق في الأصل هو الخروج فيقال فسقت الفأرة من جحرها وهكذا، وهو شرعاً كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: (من فعل كبيرة ولم يتب، أو أصر على فعل صغيرة).

لكن ما هي الكبيرة من الذنوب: الكبيرة هي: (كل ذنب ترتب عليه حدّ في الدنيا أو ختم بلعنة أو غضب أو نار) مثل (الزنا) (أكل أموال اليتامى) (قتل المؤمن) وهكذا.

لذا تجد بعض الموظفين إذا تكلم أو تحدث عن الجهاز الحكومي الذي يشغره لا يلقي لكلامه بال، وربما يوصف بالهبال!! وإذا نقل أي خبر لا يصدق أو على الأقل لا يوثق بكلامه!!

وربما يكون لديه شخص أصغر منه رتبة أو مرتبة فيصدق ويوثق بكلامه، ويبنى على معلوماته قرار، وإجراء معين..!!

فعلى كل امرئ منا أن يزن كلامه، وينشد الصدق حيث كان، ولا يفسد سمعة نفسه بنفسه ثم يلوم الآخرين! فلا بد أن تحافظ على مكانة كلامك، وتلتزم الصدق في أقوالك وأفعالك!! حتى قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (لا ينبغي أن نقول لوالدة الزوجة (عمة) أو (خالة) ولا والده أيضاً.. بل نسمي الأشياء بمسمياتها حتى لا نكذب فنقول الأصهار.. وهكذا) ا.هـ. والكذب خصلة ذميمة تنفر منها الطباع الكريمة، والنفوس السليمة:

لا يكذب المرء إلا من مهانته

أو سوء فعلته أو قلة الأدب!!

وقال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع!! هذا على اعتبار أن ما قاله صدقاً، ولم تدخله يد التحريف أو التبديل أو المبالغة أو الزيادة والنقصان!!

وكل هذه الأمور من مبالغة أو عجلة أو عدم تثبت أو.. كلها تدخل في الكذب في الأساس وإن اختلفت المسميات.. (تعددت الأسماء والكذب واحد)!!

وإذا أردت أن تعرف صدق حديثي فانظر في عملك أو أسرتك أو مجتمعك من هو الذي يوثق بحديثه، ويصدر عن رأيه ويؤبه لكلامه!!؟ أترك الجواب لفطرتك النقية!!

لي حيلة فيمن ينم وليس في الكذاب حيلة

من كان يخلق ما يقول فحياتي فيه قليلة!!

والطامة الكبرى، والمصيبة العظمى أنه يظن أنه هو الذي مرر كذبه على الآخرين، وضحك عليهم!! وفي الحقيقة أنه هو المضحوك عليه، حيث ذهبت مصداقية حديثه إلى مزبلة التاريخ!!

وفي الختام عليك أيها القارئ أن تستشعر أنك أنت المخاطب نعم إنه أنت نعم أنت يا من تمسك بالجريدة.

وهذه هي أول مراحل العلاج!! أي أن تفتش عن عيوبك، لا أن تكون بارزاً فقط في توزيع التهم على الآخرين!! تقول العرب في أمثالها (وجه الإنسان فتر)!!

أي لا يستحمل المخازي والمعايب.. فإذا فقد المرء جزء من كيانه وماء وجهه شيء صَعُب تعويضه.

محافظة رياض الخبراء


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد