Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/07/2010 G Issue 13793
الأحد 22 رجب 1431   العدد  13793
 
في رحيل نورة..!
د. سعد بن عبد القادر القويعي

 

حين هاتفت أخي حمد العوض، معزياً في وفاة ابنته (نورة) ذات - السبعة عشر ربيعا -، والتي رحلت عن هذه الدنيا ب (سكتة قلبية). لمست كمّا هائلاً من مشاعر الحزن والألم، لم تكتف بالبوح - فقط -، بل تجسدت على الورق حروف وفاء؛ لتحدث الدهشة بشكل متصل، ولتؤكد على حقيقة - طالما - غفلنا عنها، ترجمها أبو فراس الحمداني، حين قال لابنته، وهو على فراش الموت:

أبنيتي لا تجزعي... كل الأنام إلى ذهاب.

أبا محمد.. قد صدق القائل: (فقد الأحبة غربة). فكم أحزنني حزنك، لما أصابني ما أصابك؛ لأنني أعلم أنك فقدت غالية، بعد أن ودعتها عن هذه الدنيا الفانية. ورسمت أحاسيسك وعواطفك لفقدك إياها، حين قرع جرس الوداع باب قلبك في لمحة بصر، دون وداع، أو سابق إنذار، بل ودون مقدمات؛ ليأخذها بعيدا عنك، لكن حسبك أنه أجل مقدر، وإن كان على غير انتظار.

لا أدري لمَ تضاعفت آلامي، ألأنني مررت بتجربة شبيهة بتجربته، أو لأن أبا محمد هو المفجوع في ابنته، بعد أن داهمه حزن - بلا حدود - سرق روحه، واعتلجه ألم حرق جوانحه، ولفح نفسه. فقد كانت (نورة) كنسمة ترطب عليك جفوة الحياة، لكنها - اليوم - تحت الثرى، بعد أن فرق الموت بينكما، ورحلت عن دنياك إلى عالمها الآخر دون توقف.

كنت تنتظر عودتها بشهادتها إلى بيتك، لكنها غابت عنك حتى آخر العمر، فأخفت اللبنات جثمانها باللحد شيئاً فشيئا. ربما هو القدر الذي لم يرسم لخطين متوازيين أن يلتقيا، فلملمت الشمس نورها، ورفضت أن تصحبها معك، - حينها - رجعت غارقا في دموعك، تبكي الجسد قبل الابتسامة، وتبكي رحيل الوجه والملامح.

يوما ما، رسم - الشاعر - صلاح عبدالصبور بكلماته لحظات الفراق والوداع، حين كتب:

(حزن عظيم... قد يختفي لا يبين... لكنه مكنون... حزن غريب غامض جنون. فأيقنت أن من أثقل الأنكاد التي تمر على الإنسان، فقد (الضنى). فهو نار يستصرخ الكبد، ويفت في العضد. أليس فقد (الضنى) مصيبة تحل بساحة الإنسان؟.

أبا محمد: إن حكمة الله اقتضت أن نذوق مرارة فقد الأحبة، حين يفرق الموت بيننا وبينهم، ويتجرع غصته كل إنسان، إذ إن حزن الفراق يبتلى به كل الخلق - بلا استثناء -؛ لكني أعزيك بما يتعزى به المؤمنون: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). فهذه آية الوفاء لمن يستحق الوفاء، وتلك سنة الحياة في الاجتماع والافتراق؛ لكني أدعو الله: ألا يذيقنا فقدهم، ومن قضى منهم بذلك، أن يرزقهم من فضله، ويدخلهم جنته.



drsasq@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد