Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/07/2010 G Issue 13795
الثلاثاء 24 رجب 1431   العدد  13795
 
عبدالله الفيصل رَمز الأهلي الخَالد.. وعرّاب رياضة وطن
صالح رضا

 

من باب الوفاء لقامة شامخة من قمم المسؤولية الإدارية والرياضية في تاريخ المملكة العربية السعودية.. في ذكرى رحيله الثالثة إلى دار الخلود والبقاء والنقاء.. وجدت نفسي سأرتكب خطيئة لا تغتفر لو لم أتطرق هنا لجزء من شخصية رياضية كبرى -

وهو الجانب المعني عنه هنا-.. وستكون خطيئتي أكبر لو أردت اختزال تاريخ صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل بن عبد العزيز -رحمه الله-.

فسموه شاعر لا يجارى.. إضافة إلى تبوء سموه سنام مهمات ووزارات مهمة.. في عهد الملك المؤسس عبد العزيز وهو أول حفيد له - رحمه الله-.. من تلك المهام مهمة كبرى وهي: نائب لنائبِ الملك المعظم في الحجاز ووزير للداخلية.. ثم وزير للصحة.

سأستمر في خطيئتي لو لم أتحدث عن عمق رؤاه في كل شئون الحياة وشئونها وشجونها.. إضافة إلى الحكمة التي ورثها عن جده الملك الموحّد العظيم.. الذي وحّد هذه البلاد وأرسى فيها العدل والمساواة والأمن والأمان.. وجعل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دستوراً لهذه البلاد.. كما ورث سموه الحكمة من أبيه رائد التضامن الإسلامي الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود.. ذلك الملك الذي هزَّ عروش الغرب والشرق بحكمته وشجاعته وزهده ونقاء سريرته.. وقدرته على تجنيب بلاده خطر المد الشيوعي والإمبريالي المهيمن آنذاك.. في وقت كانت فيه المملكة تعاني من شح في الكفاءات والمال والعتاد.. هذا فضلاً عن كون المملكة كانت في وقت مبكر جداً من تكوين النهضة الاقتصادية.. التي اعتمدت فيما بعد على الخطط الخمسية.

وبالعودة للأمير الرياضي عبد الله الفيصل.. فسموه لم يوفه حقه ولم ينصفه إلا القليل.. فعندما بدأ سموه اهتمامه بالرياضة..كان منشأ الاهتمام هو نظرته لهؤلاء الشباب الذين يفتقدون لأبسط أنواع الثقة بالنفس وبالمستقبل وبالمجتمع برمته.. فسموه خير من يعلم أن طور الشباب أكثر أطوار الحياة خطراً على المرء.. ولم تكن البيئة تساعد هؤلاء الشباب.. أو تساعد على انتشالهم من تلك الفرق الكئيبة.. فكان اقتراب سموه منهم بمثابة إلباسهم رداء الثقة بالنفس.. لتكسوهم تلك الثقة حتى نهاية العمر.

وأذكر لسموه بيتا من الشعر يصف مرحلة الشباب بالثقة والاطمئنان وهو ما يتسق وهذا الجزء من المقالة:

وأنت مناي أجمعها مشت بي

إليك خطى الشباب المطمئن!!

فعبد الله الفيصل ذلك الإنسان الذي يحمل صولجان الرسمية والأسرية والشخصية.. وهو صولجان ضخم.. ومع ذلك كان متواضعاً ومتواصلاً مع أبسط لاعبي الفرق الحجازية آنذاك.. بل مع كل مواطن صاحب فاقة.. ليجد ذلك الأمير الهمام وقد أصبح له صديقاً حميماً.. ولعمري تلك ما هي إلا صفات النبل والشجاعة في أسمى معانيها.. وأعمق شرفها.. فلسموه كارزما موغلة في الإنسانية.

هذا وكانت تجمعات الشباب الرياضية تتمحور في فرق متفرِّقة لكرة القدم في أحياء مدن الحجاز.. وكانت موقع ازدراء المجتمع ولا تستقطب آنذاك إلا الطبقة قليلة الثقافة من أصحاب المشاكل الاجتماعية الطاغية.. فشهدت تلك الفرق جميعها نقلة حضارية عندما بدأ رجل بقامة الأمير عبد الله الفيصل.. مالئ الدنيا وشاغل الناس.. الاهتمام بها.. وقد سمعت سموه يوماً يتهكم مازحاً عندما قال: (هناك من أسماني عبد الله كورة والناس أصبحوا الآن جميعهم كورة في كورة) والشاهد على ذلك كأس العالم الحالية.. رحمه الله كم كان طريفاً وصاحب نكتة وسرعة بديهة.. ومن صفاته - رحمه الله- أنه كان صبوراً.. بل شديد الصبر والإخلاص لأحلام الشباب.. في زمن لم يكن أحد يهتم بهم.. بل في وقت قحط وفقر وهوان اجتماعي يلاحقهم كما تلاحق أقدامهم كرة القدم.

كل تلك الصفات الشبابية المثلى.. إلا أن روح الشعر تتقمصه.. فيبدع فيها أيما إبداع.. فخلد اسمه في عاصمة بلاده الرياض وفي كل من القاهرة وباريس وبيروت والرباط وبغداد (المربد) و(جرش) بالأردن شاعراً خالداً لا يجارى أو يبارى.

هذه القامة السامقة عندما اهتمت بالأهلي.. كان ذلك الاهتمام خلال ثلاث حقب.. الأولى كانت في السبعينيات الهجرية أي في الخمسينيات الميلادية.. وكانت هذه الحقبة هي تأسيس القيم في الوسط الرياضي من خلال النادي الأهلي.. فقد أراد سموه - رحمه الله- أن يكون الأهلي نادياً نموذجياً تقتدي به بقية الأندية السعودية. ونجح سموه نجاحاً باهراً.. حتى كان - رحمه الله- يكلّف معلمين ذوي كفاءة بمتابعة تعليم اللاعبين الطلاب وابتعاثهم للخارج لإكمال دراستهم.. بل شمل الابتعاث آنذاك إداريين وفنيين وحكاماً.

تلك الفترة شهدت ميلاد عمالقة النادي الأهلي.. فحصل على الكؤوس كأس وراء كأس.. حتى سمي حينها الأهلي ببطل الكؤوس.

وكانت فترة جيل العمالقة.. وهو جيل الكابتن الرجال محمد الوصلة وياسين صالح - رحمهما الله- وحسن مجلّل والكلجة وعبد الرحمن كتالوج وجوهر العبد الله وغازي ناصر وعبد الله أبو داود وعبد الرؤوف توفيق ومبارك أبو غنم وغيرهم.. وهؤلاء حققوا للأهلي أول كأس يحمل اسم المليك المعظم موسم 1382.. ثم جاء جيل عمر راجخان - رحمه الله- وأحمد الحوباني وفؤاد منظور ومحمد سعد وأحمد حماد وعبد الله المرزوقي وعلي حمزة وإبراهيم صالح وغيرهم.. وهم من حققوا كأس المليك المعظم موسم 85 هجرية.

ذلك الجيل كان في رأيي جيلا محظوظا.. وذلك عندما تكفل سمو الأمير عبدالله بحضورهم كافة مباريات كأس العالم 1966 في إنجلترا كأول فريق في العالم يحضر كأس عالم كفريق متكامل.. ومن هنا يحق لنا الاستنتاج أن فكر سموه سبق زمنه بزمن وأزمان.

ثم حل جيل الثمانينيات الهجرية ومنهم اللاعبون العمالقة عبدالرزاق أبو داود وأحمد عيد وخالد بن عبدالله وسليمان أبو داود وأحمد الصغير -رحمه الله- وغيرهم الكثير.. الذين حققوا كأس المليك لثلاثة مواسم متتالية.. فامتلك الأهلي أول كأس للمليك المفدى للأبد.

وفي التسعينيات الهجرية انتخب صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن عبد الله بن عبد العزيز رئيساً للأهلي بمباركة تامة من صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل بن عبد العزيز.. وكان هناك تنظيم إداري وفني قوي.. ودعم مادي غير مسبوق من خلال مجلس أعضاء الشرف الذي أخذ بمبادرته صاحب السمو الملكي الأمير محمد العبد الله الفيصل الذي ساهم في إحضار أول مدرب عالمي وبرازيلي للمملكة.

هذا وقد ساهم سمو الأمير عبد الله الفيصل في إحضار عدد من اللاعبين المؤثّرين في تاريخ الأهلي منهم اللاعب أحمد الصغير.. واللاعب محمد أمين دابو الذي كان يلعب في نادي الإسماعيلي المصري.. وعندما علم جمهور ذلك النادي بانتقال دابو رفضوا مغادرته للإسماعيلي.. وقاموا بأعمال شغب مما جعل النادي يعتذر عن انتقال أمين دابو للأهلي السعودي.

في هذه الأثناء وعندما أغلقت الأبواب في وجه الأهلي.. فما كان من الأمير عبد الله الفيصل - رحمه الله- إلا أن تحدث مباشرة مع سيادة الرئيس المصري آنذاك محمد أنور السادات - رحمه الله- أثناء احتفاء خاص وكان يحضره وزير الرياضة والشباب.. حيث وجه سيادته بانتقال اللاعب محمد أمين دابو للأهلي السعودي.

استمر الأهلي في الصعود لسماء البطولات حتى تربع على عرشها.. بعدما اطمأن سموه أن الأهلي في أياد أمينة آثر سموه الانسحاب التام من المجال الرياضي وانتهت حقبة جميلة وعصر أجمل لا يتكرر.. وإلى الآن والأهلي لم يحقق بعد انسحاب الأمير عبد الله الفيصل لا بطولة الدوري ولا كأس الملك عدا بطولات متفرِّقة ومهمة أيضاً.. مثل كؤوس ولي العهد المعظم والكأس العربية وغيرها.. ولكنه بقي على ثلاث بطولات للدوري.. وعشرة بطولات كأس المليك المفدى.. رغم ذلك لا أحد يجرؤ أن ينسى مساهمة إدارات الأهلي المتعاقبة.. وعلى رأسها إدارات أصحاب السمو الملكي الأمراء محمد العبد الله الفيصل وعبد الله بن فيصل بن تركي وخالد بن عبد الله بن عبد العزيز وإدارات الرؤساء الآخرين الذين يضيق بهم المقال.. فقد كانوا جميعاً - كل في إدارته- لهم بصمة واضحة في البطولات والكؤوس.

هذا والأمل في الله ثم في إدارة سمو الأمير فهد بن خالد أن تتوخى السير على خطى سمو الرائد.. خاصة بالاقتراب التام من اللاعبين ومعايشتهم.. والاهتمام بمشاكلهم.. ويجب أن تكون المرحلة القادمة تحمل عنواناً بارزاً وهو (تكاتف الجميع) تحت رعاية أبوية واستثنائية من صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن عبد الله بن عبد العزيز الذي بذل الغالي والنفيس في سبيل النهوض بالأهلي.. لعل بطولات الدوري والكأس تعود إلى الأهلي.. ويعود إلى ماضيه المشرق.

رحم الله الأمير عبد الله الفيصل بن عبد العزيز رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

نبضات مهمة!!

* خير من يتحدث عن مناقب سمو الأمير عبد الله الفيصل الرياضية هو سمو الأمير خالد بن عبد الله.. فقد ذكر أن سمو الرائد كان ديمقراطياً حقيقياً.. فكان إذا أراد أمراً اتخذ له كرسياً في فناء النادي ثم يستدعي الجمهور الموجودين وقتها في النادي.. ويعرض عليهم الأمر.. فمن يوافق يذهب في جهة ومن يعارض الرأي يذهب في الجهة الأخرى.. ويعتمد رأي الأغلبية.. ثم من له رأي يقوله بوضوح.. وكان يقول دائماً الأهلي ملك جماهيره!!

* التقيت يوماً بعيداً بالسيد صالح بن حمد في مسجد الصحابي الجليل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-.. والسيد بن حمد من رؤساء الأهلي في الزمن الجميل.. وعقب الصلاة.. تحدث كثيراً عن الأهلي ومما قاله: أن سمو الأمير عبد الله الفيصل - رحمه الله- كان ديمقراطياً إلى حد كبير.. وكان - رحمه الله- يحب سماع الرأي الآخر..بل كان يستدعي كبار اللاعبين لحضور اجتماعات مجلس الإدارة بعد موافقة المجلس.. ليكونوا أقرب للقرار.. وفي الأخير الرأي أولاً وأخيراً لإدارة النادي.

* كان - رحمه الله- حين اهتمامه بالأهلي في مراكز وزارية مهمة.. فضلاً عن شؤون سموه الخاصة.. وكل تلك المهام الرسمية والشخصية لها مطبوعاتها.. فكان حريصاً على استخدام مطبوعات النادي فقط فيما يخص الأهلي ويحرص عليها أيما حرص.. وهذا نابع من عشقه لكل ما يمت للأهلي بصلة.. وكذلك وجدت سمو الأمير خالد بن عبد الله حريصاً كل الحرص على ما يتعلّق بالأهلي.

* لعل هناك نقطة جديرة بالتنويه.. وهي قرب سموه الشديد من اللاعبين.. وكانوا أغلب الوقت في بيته العامر.. حتى الوجبات الثلاث كان هناك من اللاعبين من يتناولها في بيت الأمير عبد الله الفيصل.. وكان مفتوحاً ليس للأهلاويين، بل لكل الرياضيين وغير الرياضيين من جدة أو خارج جدة.. حتى هاتفه الخاص كان متاحاً لكل منسوبي النادي ولا يبدي أي انزعاج أو امتعاض من أي مكالمة ترد إليه حتى ولو كانت في وقت راحته ونومه.. فقربه من اللاعبين هو ما جعل الأهلي يتبوأ سنام البطولات والكؤوس.

* الصفات المثلى لعبد الله الفيصل ذلك الرجل الحكيم والصبور والقوي.. تسلّلت تلك الصفات بالتسامي إلى روح اللاعبين مما جعلهم يحرثون الملعب حرثاً يؤتي أكله بطولات وكؤوساً ومجداً تليداً.. وإني - والله- لأرى سموه الآن في رجل المرحلة وعرابها.. سمو الأمير خالد بن عبد الله بن عبد العزيز الذي يعمل الآن في زمن مختلف كلياً.. وأبو فيصل لها - ولو اختلفت مع سموه في جزئيات- ولكن العمل المتكامل الذي يقوم سموه به.. وبوجود الفكر الشاب والحراك المدروس.. أقول بكل ثقة إن الأهلي عائد لك أيتها البطولات.. فانتظري عريسك فهو قادم على صهوة جواده ليعيد المجد التليد بإذن الله.

* خاتمة.. لم أستطع تجاوزها.. ونحن في رحلة البوح عن رائد الرياضة الأول - رحمه الله- فكل معاصري سموه أكدوا لي حبه الكبير لنادي الهلال بالرياض.. وكان - رحمه الله- يقول أنا أهلاوي في جدة وهلالي بالرياض.. وسموه أيضاً صاحب المقولة الشهيرة: (الأهلي والهلال عينان في رأس واحد) وليته يتعلم بعض العاقين والناعقين.. أما الرجال فجميعهم سائرون على خطى الأب الروحي للنادي الأهلي بخطى الرجل المطمئن.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد