Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/07/2010 G Issue 13797
الخميس 26 رجب 1431   العدد  13797
 
العوضي يختزل مفهوم اللبرالية في الإباحية
خالد الخضري

 

تناول القضايا الفكرية يجب أن يكون معتمداً على المنطق الذي يدعو إلى التوازن في الطرح، وعدم التعصب لفئة على حساب الأخرى، أو التعصب لرأي الذي يجعل صاحبه غير قادر على التمييز، وتناول القضية من .....

.....جميع جوانبها، وعبر أنساقها التي تنطلق من خلالها.

ونلاحظ أن الخطاب الديني من بعض الدعاة يعمل على تهشيم صورة الفكر المخالف -بأي طريقة كانت- وهذا ما قد نقبله في أي قضية، إنما على مستوى محاربة الفكر باسم الدين، هذه هي القضية الأخطر، وهذا مأزق أعتقد أنه من الصعب الخروج منه سيما وإنا حين نتحدث فأننا نتحدث باسم الدين الذي يمثل الوجدان الذي يعيش به المسلم في هذه البلاد الطيبة، وغيرها من البلاد الإسلامية.

مثال ذلك ما كتبه مؤخراً الداعية الإسلامي (نبيل العوضي) في مقال جاء عنوانه (اللبرالية = اتباع الهوى)، لا مانع عند الليبرالي أن يتزوج الرجل أخته أو ينكح أمه أو ابنته!! ونشر على المواقع الإلكترونية.

هو جاء بهذا العنوان من باب الإثارة وصناعة (بروبوقندا) لمقاله، والإثارة في الطرح الصحفي أو في الكتابات مستندة على النظرية الليبرالية الخاصة بالإعلام المكتوب التي ظهرت في أوروبا على غرار ظهور الطبقة البرجوازية، وإطلاق حرية الكلمة في القرن الخامس عشر الميلادي.

أذن: العوضي في أول الأمر تعامل مع الطرح الإعلامي من منظور لبرالي من حيث لا يعلم، هذا أولاً.. أما ثانياً: فهو قد اختزل مفهوم اللبرالية في جانب واحد، هو ذلك الجانب الذي يدعو إلى الحريات الشخصية والاجتماعية -حرية التدين، وحرية الانتماءات، وحرية الميول، بشرط إلا يتجاوز ذلك إلى التعدي على الآخرين-، وهذه النظرة وإن كان جانب منها صحيحاً لكنه قاصر جداً، مما يدل على عدم استيعاب وفهم الشيخ العوضي لمفهوم اللبرالية، وعدم قراءته الكافية في هذا الجانب الذي يجعله حين يتحدث عنها لا يختزلها في جانب محدود جداً، لأن قضايا التديّن، والانتماء، والميول، هذه يمكن للمجتمعات الإسلامية المحافظة عليها، وسن قوانين لحمايتها من خلال السلطة الاجتماعية التي تنطلق من رسالة الإسلام المحمدية العظيمة والتي لا يشك الشيخ العوضي أو غيره في وجودها في مجتمعاتنا الخليجية والعربية.

أما فيما يتعلق بتطبيقات اللبرالية التي سنأتي عليها فإن الشيخ العوضي يطبقها دون أن يعلم، ليس فقط في طريقة تعامله مع وسائل الإعلام، بل في السلوك الشخصي، فعندما يصادف أن يزور الشيخ بلداً ما في العالم، ويسكن في أحد الفنادق ثم يكتشف أن جاره الملاصق له في الغرفة المجاورة قد أتى منكراً ما، فإن الشيخ العوضي لن يقوم بمنع ذلك الرجل عن إتيان المنكر -الذي ربما لا يمثل منكراً في عرف وملة الرجل- على الرغم من إيمانه بالحديث الشريف الذي ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان (ولن يقوم بإبلاغ الشرطة أو الجهات المختصة لأنه يعلم أن النظام في أغلب بلدان العالم يكفل حق حرية التصرف لذلك الرجل في داخل الفندق، إذن سيكون الشيخ لبرالياً عندئذٍ، وسيلتزم الصمت.

أما فيما يخص تطبيقات اللبرالية التي لم يشر إليها الشيخ من قريب أو بعيد فإنها تلك التي تتعلق بالجوانب السياسية والتي تتلخص في النظام الديمقراطي، هل يعني ذلك أن الشيخ راضٍ عن هذا الجانب في النظام اللبرالي.

وكذلك لم يتطرق إلى تطبيقات اللبرالية على المستوى الاقتصادي التي تمنح حرية التملك، وتطبيق النظام الرأسمالي، وجعل الفوائد الربوية هي النظام الذي تعتمد عليه معظم بنوك العالم، على الرغم من عظم شأن الربا في الإسلام، والنصوص القرآنية والأحاديث الشريفة التي تشير إلى العقوبة الشديدة لآكل الربا في الدنيا والآخرة.

لماذا ركز الشيخ العوضي على الجانب الأخلاقي فقط، وتناسى الجوانب الأخرى، أيضاً تناول الأديان الأخرى التي نسخها الإسلام في حال دخول الشخص في الإسلام يصبح ملتزماً بقول الله تعالى: ?إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ?، معتبراً أن تلك الأديان تبيح السفور والعري، والمحرمات المرتبطة بذلك على الرغم من أن كافة الأديان تحرم السفور، وتحرم الزنا واللواط، والسحاق، ألم يقرأ الشيخ الوصايا العشر لسيدنا موسى عليه السلام، ووصايا أديان أخرى التي تحث على الأخلاق التي تتوافق مع الفطرة الإنسانية.

وعموماً فإن الحكم الذي أطلقه الشيخ العوضي على اللبرالية واللبراليين بالإباحية المطلقة لا ينطبق على كل المنتمين لهذا التيار، ومن الإجحاف أن يكون لديه أحكام جاهزة، وعامة بهذا الشكل خاصة وأنه داعية معروف وله نشاطه الدعوي في منطقة الخليج العربي، ومن الأجدر به إلا يستعجل في كتابة مثل هذه المقالات قبل أن يقوم بتنقيحها وإعادة النظر فيها أكثر من مرة حتى يفرق بين اللبراليين العقديين، وبين اللبراليين إلا دينيين، وكذلك بين اللبرالية القديمة واللبرالية الجديدة، وبين اللبرالي اليهودي أو المسيحي، وبين اللبراليين الإسلاميين، هذه فروق مهمة للغاية، وكان من الأجدر أن لا تكون هناك أحكام عامة.



Kald_2345@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد