Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/07/2010 G Issue 13797
الخميس 26 رجب 1431   العدد  13797
 
لك العتبى أبا هشام حتى ترضى..!!
د. حسن بن فهد الهويمل

 

ما كان لي أن أتخلف عن لداتي ممن ظفروا بتناول بعض الجوانب المضيئة من حياة الصديق والزميل الأعز أبي هشام محمد بن عبد الرحمن الربيع، ولا سيما أن الصديق الوفي الدكتور إبراهيم التركي قد طلب مني خطياً المشاركة لعلمه بمكانة المحتفى به عندي ولدى الأوساط الأدبية والأكاديمية، وحينها زورت في نفسي كلمات لم ترق إلى ما كنت أكنه لأبي هشام ومرت الأيام عجلى وفي نفسي أن أدلي بدلوي، غير أني فوجئت بالملحق يخرج إلى الناس دون أن يكون لي شرف الإسهام. وتذكرت وأنا أفكر في الخلوص من هذا المأزق الثلاثة الذين خلفوا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولم ينجهم إلا الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية والصدق مع الله ورسوله، ولكن الله طهرهم بما عانوه من هجر، ويقيني أن أبا هشام لن يساوره أدنى شك بمحبتي له وإكباري له وسعادتي بالمشاركة في تكريمه.

وكيف لا أفعل وأنا أرد بعض أفضاله، وكان الخيار الوحيد أن اعترف بالتقصير في حق الزميل المتواضع إلى حد إنكار الذات والقنوع إلى حد التبتل وما أجبره في هذه الاعتذارية النابغية ليست له فهو المتسامح، ولكنها لمن سيستاء لو عن غيابي، وأنا الذي أعيش مع المحتفى به حد الخلطة، وإذا كان المشاركون من داخل المملكة وخارجها قد قالوا ما لا استطيع أن آتي بمثله فإنني لن أتردد في البحث عما حبرته وتعهدت بالعودة إليه ليكون قضاء لفريضته غائبة.

والمتحدثون عن الأستاذ الدكتور محمد الربيع ليسوا بحاجة إلى الثناء الذاتي ذلك أن جوانب حياته العلمية والعملية غنية بما يموضع الذات، ومن ثم فإنني سأضرب صفحاً عن الثناء الشخصي ولاسيما أنه أزهد الناس بالثناء، ومعرفتي به التي تمتد لأكثر من أربعة عقود تتوفر على معارف قد لا تكون مطروحة في الطريق.

فأبو هشام موزع الاهتمامات بين مشاريع أدبية يؤسس لها ويشرف عليها ويستقطب الكفاءات لإنجازها وأعمال إدارية ذات طابع أدبي أحسن صنعها ووسع مهماتها، وهو بين هذا وذاك كالنخلة يرف بجناحي المعرفة والتجربة، ولقد كان لي شرف الاشتراك معه في جانب من تلك المهمات.

وعجبني براعته في إدارة الجلسات وترشيد الحوار واستثارة كوامن الإمكانيات عند الآخرين والتوفيق بين وجهات النظر وتمكين المستهمين على السفينة من ممارسة حقوقهم دون اجتراح خرقها، وما حضرت جلسة يرأسها إلا أشفقت عليه ولكنني حين أراه بسماحته وبعد نظره ورحابة صدره وقدرته على امتصاص الشحنات الانفعالية استذكر قول الشاعر:

إذا أيقظتك هموم العدى

ففيه لها عمراً ثم نم

وعلى الرغم من تعدد مسؤولياته في كافة المحافل الأدبية والعلمية داخل المملكة وخارجها فإنه لا يُعَرِّس في مكان إلا ترك فيه أثراً ينسب إليه ويعرف به، فما كان في أي لقاء فضولياً ولا سلبياً ولا متهيباً ولا وجلاً، واجتراحه للآراء ومبادرته بالأفكار تواجه بالتقدير والإكبار.

على أن شخصيته المتعددة الجوانب لم ترتهن للمهمات العملية وحسب بل تعدت ذلك إلى إسهامات أدبية في المحاضرات والندوات والمؤلفات ولقد كنت ولفيف من الزملاء نعجب من جلده وإصراره ومواكبته للمهمات واستيعاب لمتطلبات المواقف، فيما لا يدري هو بهذا التميز بل ربما يرى نفسه دون لداته حتى لا تجده في يوم من الأيام مدلاً بعمله، بل يكاد يتوارى من القوم ظناً منه أنه لم يقدم شيئاً وتلك سجية أغبطه عليها.

وفي فترات الراحة ورياضة المشي التي نمارسها معاً كان يحدثني عن هموم وتطلعات، ويلفت نظري إلى مشاريع علمية وأدبية يتمنى التوفر على الجهد والوقت للبدء بها وتسليمها لفريق عمل يواصل الأداء حتى يبلغ بها النهاية.

وأذكر ذات مرة أنه كان يحدثني عن الأدب المهجري، ويفكر ببدء دراسة لأدب مهجري إسلامي ضرب عن الباحثين صفحاً في حين استنزفوا جهودهم بالمهاجرين النصارى إلى (البرازيل) و(الأرجنتين) ولم يقع هذا لهم موقعه من نفسي لصعوبة المهمة، واذ بي أفاجأ بكتاب عن هذا الأدب هو في الحقيقة نواة للمشروع الذي أرجو أن يكون قد استثار همم المقتدرين علماً وجهداً ووقتاً، وأحسب أن الخيط الذي طرحه لو بادره دارسون جادون لأخرجوا لنا أدباً مهجرياً إسلامياً لا يقل عما هو متداول. ومثل هذه المبادرة مرت بالساحة بهدوء ولم يشأ أن يُدِّل بها، على الرغم من أنها مبادرة لها ما بعدها، فقد تحول مسار الحركة النقدية، والقضايا المفصلية لا يؤتاها إلا المتمكنون علماً وتجربة، وأهلية في قيادة فرق العمل، وأبو هشام يتوفر على هذه الإمكانيات واستعراض مجالات الأداء التي مارسها المحتفى به دليل على تمكنه الأمكن، لقد كانت له اسهاماته في جامعة الإمام، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة والنادي الأديب في الرياض ودارة الملك عبد العزيز والمهرجان الوطني للتراث والثقافة ووزارة الثقافة والإعلام وسائر المهرجانات والمنتديات ومن ثم مما يحط من فهمه إلا إلى مهمة أخرى.

لقد مرت الدراسات التي كتبها طلابه وزملاؤه وعارفوا قدره في المؤتمرات على بعض منجزاته مر السحاب لا ريث ولا عجل، غير أن البعض منها نبه إلى جوانب وقدرات ما كان لها أن تقارب بهذه العفوية وذلك التخفف، وكم كان بودي أن ينتاب ظواهره لفيف من طلابه تكون نواة لكتاب يقربه إلى الأدباء وبخاصة دراساته الجادة التي ربط لها خيله ورجله وأبان من أدق تفاصيلها إذ ما كنت أود أن نختصره بجهوده العملية في كثير من المناسبات ك(المئوية) أو (الموسوعات) ولو فرغ المهتمون لتقصي اسهاماته في اللجان وفرق العمل والمناقشات والتحكيم لتوفروا على جهود مطمورة لو ذكرت بحجمها لشكرت.

والبادرة المباركة التي استثنتها جريدة الجزيرة في ملحقها وتولى كبرها أخونا الدمث إبراهيم التركي من المبادرات الإنسانية فالوفاء من شيم الرجال الأوفياء ولا يعرف الفضل لذويه إلا ذووا الفضل، والسنن الحسنة تبدأ صغيرة ثم تكون إضاءة وقدوة للآخرين، وحق العلماء والأدباء والمفكرين الذين بذلوا جهودهم في خدمة عشيرتهم الأقربين لا يمكن أن ننهض به على مستوى الأفراد، والملحق بتلك الممارسة الرائدة بحفز للوفاء بحقوق ممطولة.

نسأل الله لأخينا وصديقنا وعالمنا مزيداً من العطاء وللبقية التي ترقب التكريم مزيداً من الصبر والمصابرة.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد