Al Jazirah NewsPaper Friday  09/07/2010 G Issue 13798
الجمعة 27 رجب 1431   العدد  13798
 

توجيهات للشباب: فوائد النوم
د. محمد بن سعد الشويعر

 

جميع الكائنات الحية لا تستغني عن النوم، ولكل منها طريقته، وكفايته منه، بما يتلاءم مع قدراته ونشاطه، والجسم البشري لا يستغني عن النوم، مع أنه لا يدرك كنهه، وجميع فوائده، ولا يسيطر على مدافعته إذا هجم عليه..

.. بل يستسلم له بغير إرادته، ونراه من ضروريات الجسم، لأن الإنسان عندما يمسه التعب، تخور قواه، فينام ولو قليلاً في سبات عميق، فإنه يستيقظ وقد شعر بالراحة مع تجدد نشاطه، وكأنه لم يمسه التعب من قبل.

هذا النوم الذي لا يُرى ولا نعرف كيف يدخل الجسم، ولا كيف يخرج منه، قد جعله الله رحمة للإنسان، ونعمة كبيرة، ليريح جسمه، بعد عناء يوم من العمل الجسماني أو الذهني، حيث يتجدد نشاط الجسم، ويتفتح الذهن، وتصفو الذاكرة، حتى أن كل فرد يشعر مع بداية النهار وبعد صلاة الفجر، بأن جسمه قد زادت قدرته، وبأن ذهنه قد تفتح بعد انغلاق ، وأكد هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «بورك لأمتي في بكورها» رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

من هنا ندرك لماذا يحرص كثير من الناس، وخاصة طلاب العلم وأهل الفكر على ترك الأعمال الذهنية، التي تحتاج إلى حفظ أو تأمل إلى بداية النهار وبعد صلاة الفجر، لأن مغاليق الذهن قد تفتحت، ومنافذ الفكر والذاكرة قد تهيأت للاستقبال والتأمل.

هذا النوم الذي يحتاج إليه كل كائن حي وهو للإنسان ألزم، صغيراً أو كبيراً، هو من أسرار الجسم البشري، فعندما يهجم على الإنسان، لا يستطيع دفعه، وإذا ابتعد عنه وطال سهره، طلبه بكل وسيلة، فلا يعرف كيف يأتي، ولا ما هي صفته، لكنه شيء محبب للإنسان، وما فقده إنسان إلا شعر بالتوتر والحيرة، وعدم التركيز، في شؤونه كلها، مع شرود الذهن، ومن هنا نرى المختصين حيارى في فلسفة النوم، ولذا نرى الأطباء مع غيرهم، يسعون في بحثهم عن وسيلة تعيد النوم إلى العيون، لتهدأ النفس، ويرتاح الجسم، ومن ثم تطمئن الهواجس ويتجدد نشاط الجسم، ولم يجدوا غير العقاقير، التي خلفها أضرار بالإدمان، فسبحان من خلق فقدر، وأسبغ على البشر نعمة النوم، وآثارها.

والنوم واحدة من النعم الكثيرة في الجسم البشري، التي قال الله فيها: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم 34، هذا النوم من نعمة الله العظيمة التي أسبغها الله على الإنسان، ولا يقدر مكانة هذه النعمة، إلا من فقدها، وقد ناقشه الفلاسفة فأعياهم البحث عن الغموض الذي وراءه، وقصر علمهم عن الغوص في أسراره، وجاء النقاد ليعددوا منافعه في حالة الاستمرار، ومضاره في حالة الفقدان، فقصر بهم فنهم عن الغوص في بحره المتلاطم، وهكذا غيرهم.

فهو من عجائب ما أودع الله في جسم ابن آدم، التي تستوجب الشكر لله المتفضل، حيث بيّن الله لنا في كتابه، ما يدعو للتأمل والتبصر فقال جل وعلا: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الذاريات21.

وقد اتفقوا على أمور ظاهرة، توصلوا إليها بالتجربة، بمقدار الساعات اليومية، الكافية للنوم، للصغير والكبير، وهي قاعدة غير مستقرة للاختلاف بين الناس، في الساعات الكافية، ويعطون كل سن مقداراً معيناً ما بين ست إلى ثماني ساعات يومياُ.

وبهذا المعدل فإن الإنسان العادي يمضي ثلث عمره في النوم، مع ما يمازج من أحلام ورؤى، أما المهموم والعاشق والمريض، فما أطول الليل عليه، كما يرصد ذلك الشعراء.. وقد صور الشعراء حالة من انشغل قلبه، بأي سبب فكان قلقاً كالذئب في منامه:

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي

بأخرى المنايا فهو يقظان نائم

فالإسلام بسمو تعاليمه، وكمال تشريعاته، لم يغفل أي جانب من جوانب الحياة، بل أبان جزءا من الأسرار: كالنوم والجلوس، والحديث والمكلوم، والعمل و الارتخاء، وغيرها كثير مما تتفتح أبوابه أمام الإنسان، مما يجب أخذها علوماً وتوجيهات نتأدب بها، ونعماً من الله نشكرها، ولو خفيت أسرارها، بما فيها من معادلات فوق قدرات الإنسان، هي من نظرة الإسلام الشمولية للحياة، وما يجري للإنسان فيها: فوائد ظاهرة ينتفع بها، وللجسم البشري تنظيم من الله لمصلحة هذا الجسم، ضمن الآيات الكثيرة فيه، والعجائب التي لا تحصى، مهما توسع الإنسان، في محاولة لكشف الخفايا والمزايا، لما أودع الله في أجسامنا، وقد فهم بعضنا جزءا مما أبانه الله في كتابه الكريم وخفي الكثير.

ففي سورة (النبأ) يقول الله سبحانه: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً) الآيتان 9-11

يقول صاحب الظلال: وكان من تدبير الله للبشر، أن جعل النوم سباتاً، يدركهم فيقطعهم عن الإدراك والنشاط، ويجعلهم في حالة لا هي موت ولا هي حياة، تتكفل بإراحة أجسادهم وأعصابهم، وتعويضها عن الجهد الذي بذلته في حالة الصحو، وكل هذا يتم بطريقة عجيبة لا يدرك الإنسان كنهها، ولا نصيب لإرادته فيها، ولا يمكن أن يعرف كيف تتم في كيانه، فهو في حالة النوم لا يدرك هذه الحالة، وهي سر من أسرار تكوين الحي، لا يعلمه إلا من خلق هذا الحي وأودعه هذا السر.

وفي النوم أسرار غير تلبية الجسد والأعصاب، إنه هدنة الروح من صراع الحياة العنيف ويستسلم لفترة السلام الآمن الذي يحتاج إليه الفرد، حاجته للطعام والشراب، ويقع ما يشبه المعجزات، فيحصل انقلاب تام في كيان هذا الفرد، وتجديد كامل لا لقواه بل له هو ذاته، وكأنما هو حين يصحو كائن جديد (الظلال جزء 30 ص 14 - 15).

ويقول سبحانه في سورة الفرقان (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً) الآية 47 فقد جاء في اللغة: الليل لباساً أي ساتراً بسواده، والسبات الراحة، وقال قتادة في (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً): أي سكناً، وقوله: (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً)، أي جعلناه مشرقاً نيراً، مضيئاً ليتمكن الناس من التصرف فيه، والذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارة وغير ذلك.

والنوم في توضيح الإسلام، يعرف بالموتة الصغرى، والفرق بين الموتة الصغرى، والموتة الكبرى: لأن الجسم في الصغرى وهي النوم في حكم الميت، ولا يدري النائم عما حوله، وصاحبها يتنفس ويتحرك، ويجري الدم في عروقه، لحياة أعضائه كلها، وقد تطول كنومة أهل الكهف، والكبرى تتوقف جميع الأعضاء عن الحركة، وهذه حكمة بالغة من الرب الكريم العفو لكي يعتبر العباد، ويعرفوا قدرة خالقهم حق المعرفة، يقول سبحانه: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا التي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخرَى إِلَى أجلٍ مُسمَّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الزمر42 .

كما جاء في الدعاء المأثور، لمن استيقظ من النوم أن يقول: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور، ولمن أراد النوم: أن يقول: باسمك ربي وضعت جنبي فإن أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما حفظت به عبادك الصالحين، وهناك دعاء مأثور يستحق به المؤمن الجنة، بفضل الله ورحمته، عندما يقول في أول الليل، وبعد صلاة الفجر وهو: اللهم إني أصبحت أو أمسيت حسب الوقت: أشهدك وأشهد حملة عرشك وأشهد ملائكتك، وأشهد جميع خلقك، أنه لا إله إلا أنت لا شريك لك.. تقال أربع مرات في الصباح وفي المساء، فإن مات في ذلك الليل أو ذلك النهار استحق الجنة، إذا كان مجتنباً ما نهى الله عنه ورسوله.

فكن أيها الشاب المسلم، بما أعطاك الله من عقل وعلم، من المتفكرين في تدبر الآيات والأحاديث النبوية، والمتدبرين لمعانيها لتعرف كحكمة الله في تكوينه ومخلوقاته، بل في نفسك وما أودع الله فيها من عجائب وأسرار ومنها النوم، فإن في كل شيء له آية تدل على أنه الواحد.

يقول بعض المفسرين: يخبر الله سبحانه، عن نفسه بأنه المتصرف في الوجود، بما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى، بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان، والوفاة الصغرى عند المنام.

ومن هذا المفهوم نرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي أمته آداباً للنوم، تصلح بها أحوالهم، ويحافظ بها على سلامتهم: قولية بالأدعية التي يحفظ الله بها العبد، من الشرور والآفات، التي تحيط به، وفعلية يحترس بها عما يضره من الحشرات والقوارض وغيرها، ويحميه الله بها سبحانه من أشياء لا يراها الإنسان بعينه، ولا تخطر له على بال، ساعة نومه، حيث يرمي بعضهم بجسمه على الأرض دون دراية أو تمعن في العواقب فتأتي تعاليم الإسلام لتؤدب النفوس، وترد على الماديين الذين لا يؤمنون إلا بما هو محسوس وظاهر أمامهم، ومن ذلك ما قاله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا آوى أحدكم إلى فراشه، فليقضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم ليقل باسمك ربي، وضعت جنبي، وباسمك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما حفظت به عبادك الصالحين). رواه البخاري وسلم ولا يضره شيء.

وإذا قام من النوم يقول: (الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور) كما علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته: عن آداب النوم التي أثبت الطب الحديث فائدتها، ومنها: أن ينام على الجنب الأيمن لما له من أثر صحي على البدن كله، وأن ينام في القيلولة، ولا ينام على بطنه لأنها ضجعة يبغضها الرحمن، ولا بأس بالاستلقاء على الظهر، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، إذا لم يخش انكشاف العورة والتبكير في النوم، وعدم السهر وكراهية النوم بعد صلاة العشاء، أو النوم قبلها.

وللنوم فوائد صحية كثيرة، تعود على البدن, وعلمياً كل يوم ينكشف من الأسرار مصالح تنفع الإنسان، وأضرار تصيب البدن، مع استمرار السهر، يبرز من ذلك فوائد نوم الليل، وضرر السهر، ومن ذلك اكتشف حديثاً كثرة الكلسترول عند أصحاب النوبات الليلية، لأن الله سبحانه أودع في الجسم خصائص في نومة آخر الليل، يفرز الجسم مادة تحرق الزائد من الكلسترول تلقائياً، ولا يحظى بذلك الذي لم ينم، وهذا من حفظ الله لعباده من حيث لا يشعرون، وصدق الله العظيم في هذا القول الكريم: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمر اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) الرعد11. وجعل علينا حفظة يدافعون عنا الشرور، في اليقظة والنوم، ولولا حكمة الله هذه لاغتالنا الشياطين، كما في الأثر، وفي الدعاء: اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، واكفنا شرور خلقك: من شياطين الجن والإنس، وغير ذلك من الأدعية ذات الدلالة والعمق وما أوتينا من العلم إلا قليلاً.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد