Al Jazirah NewsPaper Friday  09/07/2010 G Issue 13798
الجمعة 27 رجب 1431   العدد  13798
 
«النظام الأساسي للحكم» في مفهوم الدكتور فيصل بن مشعل
عبد الله بن محمد السعوي

 

«قراءة في النظام الأساسي للحكم في المملكة» كما هو معروف فهذا عنوان تلك المحاضرة التي ألقاها صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز نائب أمير منطقة القصيم ولن أتناول تلك القراءة بكافة معطياتها وإنما من زاوية معينة وتحديدا من خلال هذا...

... الوصف الذي أطلقه سموه (دولة الشريعة) وما يدلف في إطاره من متضمنات.

الدكتور فيصل بن مشعل عندما أطلق وصف (دولة الشريعة) تَحركت مقاربته على ثلاثة محاور, لها محوريتها اللافتة في عملية تكوين البعد النظري والإجرائي في هذا المساق على نحو ينسجم وأنظمة بنية الذهن الجمعي الذي يراد تشكيله دينيا:

الأول: محور وصفي يجلي النظام المفاهيمي ويبرز خصائص ملامحه الشكلية الفاعلة ومدى محورية مباشرة رسمه كإستراتيجية إجرائية وكخيار وحيد لإدارة عامة مفردات المشهد الحيواتي بأدق تفاصيله ولذا فمفهوم دولة الشريعة يمثل المعادلة الأم التي يتحرك على ضوء محدداتها الخطاب السياسي وهي الدال المحوري على ماهية النظام الذهني ومحمولاته المتحكمة في مسار التوجه الرسمي.

الثاني: المتتاليات الناجمة عن ذلك القالَب المنتخب الذي يتوفر على خصائص وظيفية, وماهية البعد المآلي لوضعية حياتية حُكمت ببنود مثل تلك الإستراتيجية الإجرائية ونظامها المنهجي, ولا ريب أن حاصل التشخيص التطبيقي سيكون جليل المردودية على الإنسان لأن الإنسان في (دولة الشريعة) قيمة عليا لها فرادتها ولذلك قرر محاضرنا الكريم أن الإنسان هنا له حق توفير متطلبات شروط العيش الكريم وله حق التواصل مع صناع القرار حتى مع المسؤول الأعلى في الدولة وأن له مدافعة كل مظلمة يمكن أن تنال منه بسوء.

الثالث: ثمة أبعاد إيحائية متمددة على جغرافية تلك القراءة أراد محاضرنا الكريم من خلالها تفكيك مكونات الحمولة الدوغمائية المسكونة بالفعل التأجيجي, وخلخلة المواضعات النسقية المفعمة بضروب التقنية الدفاعية ذات الصفة الاعتبارية والتي تزاول حركتها التقويضية الطاغية في الراهن, بل ويُوجِد -الأمير المثقف- ارتباطا شرطيا بين هذا وبين قضية إعادة تشكيل صياغة آلية الإدراك النسقية على النحو الذي ينسجم وإيقاعات الاستقرار الذي سيكون المواطن هو أول من يجتني إفرازاته ويتقلب في نعمائه.

(دولة الشريعة), وصف أطلقه الدكتور إبان إجرائه لسياق مقارناتي مفاده: إذا كانت الدولة التي تستقي آليات حراكها العام من قوانين تواضع عليها البشر تسمى (دولة القانون) فإن الدولة التي تخضع في كافة تفاصيلها الحياتية لإملاءات نصوص الوحيين وتستلهم أدبيات التجربة النبوية وتنضبط بشرطها العقدي فإنها تسمى (دولة الشريعة).

البعد الشرعي كقيمة هو ما يلح الدكتور فيصل بن مشعل على ترسيخه ولذا فهو يمنحه لونا من الحفاوة الإضافية نلمس ذلك بجلاء في كافة مواطن تلك المحاضرة فقد استهلها المحاضر بتقرير أن المنحى العقدي المتمثل في التوحيد الخالص والتنزيه المطلق ومحض كافة ضروب الدينونة لله -جل في علاه- هو النمط السلوكي البارز الذي منح الدولة السعودية خصوصيتها وأكسبها حضورا نادرا من نوعه.

دائما القيمة العقدية لدى محاضرنا لها الأولوية في هذا المضمار على نحو يعكس مدى حضورها الغائر في وجدانه واستصحابها المستمر في وعيه ولا غرو فهو ينتمي إلى تشكل سلطوي يتعاطى مع هذه القيمة بوصفها المكون الجوهري في بنيوية الحقيقة والنسق المركزي الذي على ضوئه يجري تشكيل الوعي العام. وننصت إليه هنا حيث يقرر أن الدولة «من هذه العقيدة تستمد تصورها للوجود ونظرتها للكون والحياة والإنسان» الحس العقدي الشمولي مهيمن على تلك المقاربة الفيصلية نلاحظه في قوله عن الدولة أنها « تعتمد في أحكامها ونظمها التشريعية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية على هذه العقيدة المركزية ومنها تستمد أصول نهجها في السياسة والحكم وفي جميع المعاملات والعلاقات» تلك الفكرة لا يني محاضرنا الكريم في تكريسها وتغذية تمددها في مناهضة ضمنية لتلك التوجهات الانتقائية التي تأخذ الدين عِضِين, أي تأخذ طرفا وتنأى عن آخر, وهو إذ يتحدث هنا لا يعبر عن موقف فردي أو رؤية شخصية بقدر ما هو إفصاح عن توجه سلطوي عام حيث ينتظم كافة راسمي الخط السياسية في الهرم السعودي حيث الجميع يبدي القدر الكبير من الاحتفاء بالمفردات ذات الطابع الديني ولا ينفكون ملحين على محورية حضورها مقابل تغييب الوجه النقيض، ونظام الثنائيات لم يكن غائبا عن تلك المحاضرة، بل نلحظه على ثلاثة مستويات:

الأول: ثنائية الأنا والآخر حيث تأتي ضمنا إبان الإشارة إلى السياسة الخارجية وأنها محكومة بمقتضيات العقيدة ومن المعهود أن أهم بنود السياسة الخارجية العلاقة مع الآخر حيث تفيد تلك القراءة أن ثمة ضرورة قصوى لمد خطوط التواصل مع الغير ونسج ضرب من المناحي العلائقية المتكئة -كما في العبارة الفيصلية- على «مقتضيات عقيدة التوحيد والخضوع لشريعة الله عز وجل».

الثاني: ثنائية المثقف والسياسي أشار إليها الدكتور عندما نقل كلام الملك فهد رحمه الله عندما أكد أن «هذه الأنظمة وضعت بعد دراسات دقيقة ومتأنية من قبل نخبة من أهل العلم والرأي والخبرة» المحاضر يريد هنا أن يرسل رسالة مفادها: أن العلاقة بين المثقف والسياسي يفترض تشكل بنائها الهيكلي على نحو تكاملي وبصورة بناءة فالسياسي بما يملكه من هيمنة على تفاصيل منظومة المجريات والثقافي -بعامة صوره وأطيافه- بما يملكه من ثقل معرفي يجب أن يصطفى ليدلف في حالة من الشراكة التحالفية التي يجري عبرها التواطؤ على تربية الحس العام وتشكيل المخيلة الجمعية على تبيئة عناصر المحبة والوئام ومطاردة كافة بواعث التشظي والانقسام وكل ما من شأنه تغذية موجبات الاحتقان أو تعزيز مؤهلات الاحتراب البيني وتكريس مقدمات التشرذم، حيث أراد -الأمير المثقف- أن يرسل رسالة مفادها: أن من الضرورة أن يقوم المثقف بواجبه في تعزيز السكونية وبناء عقلانية أكثر فاعلية في اكتناه الراهن والتفاعل مع مكوناته وأن تتكئ علاقته مع السياسي على أولوية تجاوز مبدأ المصالح الذاتية اللحظية إلى أن توظف العلاقة للصالح العام, إنها فاعلية تواصلية تصب إفرازاتها في نهاية المطاف في رصيد الفرد والأمة بشكل عام.

الثالث: ثنائية الدين والدنيا وهي ثنائية مصرح بها بشكل مباشر في هذه القراءة فالمحاضر -وبلفتة ذكية لافتة للانتباه يشير كما يفيد مؤدى متنه السياقي- إلى النظام الإسلامي في آلية تعاطيه مع الثنائيات حيث العلاقة بينهما محكومة بالتكامل والتواصل والاتصال لا بالسجال والتنافر والانفصال كما في بعض الرؤى التي تتعاطى معها بلون من الاستقطاب والتحزب والاحتشاد لصالح طرف ضد الآخر، الدكتور فيصل بن مشعل هنا يجعلنا من خلال الدلالة الإيحائية أمام بعدين:

الأول: بعد معياري يجلي الآلية المثلى للتعاطي مع النظام الثنائي؛ أما ضمور هذا البعد والانفصال عن التماهي مع حيثياته فهو إرهاص لتجلي مبلورات ضرب من الانتكاسة المعرفية.

الثاني: بعد تعبوي تجييشي يلفت الوعي إلى ضرورة توخي موجبات الحذر من السقوط في فخ الدوغمائية الحدية المحكومة بالإمائية - إما كذا وإما كذا- والنمط الأحادي المضيق لمسافات النسبية على نحو يقلل من فرص التواصل مع أكثر من خيار ممكن.

أيضا أشار الخطاب الفيصلي إلى مسألة الأخلاق والقيم وأنها ملتحمة في حالة من الوشائجية المتناهية مع القيمة المعتقدية وهو بذلك يدحض تلك الرؤية القائلة بنسبية القيم والأخلاق وأنها خاضعة للتغيرات على المستوى الزمكاني، الدكتور هنا يفند كما ينطق مفهوم منطوقه, يفند خضوع السلم القيمي لمقتضيات الصيرورة مؤكدا هيمنة النظام العقدي على أصول تحركاته.

وأخيراً لم أشأ أن أتناول تلك المقاربة بمسح استقصائي شمولي فاسحا في المجال لمن رام مقاربة المعطيات المفهومية التي لم أتطرق إليها في هذه المقالة الموجزة.



Abdalla_2015@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد