Al Jazirah NewsPaper Friday  09/07/2010 G Issue 13798
الجمعة 27 رجب 1431   العدد  13798
 
على هذه الأرض ما يستحق البقاء
ناصر العمري

 

يرتدي ملابس رثة

شعره ينسدل بكثافة من تحت شماغه الملفوف على رأسه

لم يمنعه الحر الشديد من أن يرتدي ثياباً صوفية ثقيلة

يتمتم بحزن في ركن قصي

يقضم خبزاً يابساً

تفوح منه رائحة كريهة

يمر بالقرب منه طفل وهو في طريقه للمتجر المجاور

يمسك به من تلابيبه بعنف

يمارس دور الحكيم على الطفل الخائف

((يخاطبه)) بحدة قل لي ياصغيري :

لماذا أهل حارتنا تناسوا كلام محمود درويش؟

الطفل مرتعدا ((ممماذا تناسوا ؟؟؟))

يجذبه المجنون بقوة نحوه

تناسوا أنه حزن يقول :على هذه الأرض ما يستحق الحياة

أنظر هناك (( آخر الشارع ))هاهم رفاقي لأوهاهم صاعدون

بأقتاب تلك السلالم متعلقون،، بخوف ظاهر يرد الصبي أين لا أرى أحداً ؟؟ يضم الطفل -المتذمر من رائحته -يحدثه ،،،، يا لجرأتي ... ونزقي أستأذنك،،،،،يامحمود

سأحرف ماقلت،،،،، سأقول لكل الصاعدين

((على هذه الأرض ما يستحق البقاء ))

بقسوة يصيح في وجه الطفل الذي يرتجف بين يديه

أسسس ،،،هدووووووووء،،هدووووووووووووووووء

رجاءً سكوووووووووووووووووووووت،،لقد جاء صوت صديقي القديم على عجل تحمله الذكريات

يصيح علي ويهزأ بي، يردد على مسمعي

((أتبقى وحيداً هنا)؟

ستندم لأنك ستبقى هنا، ستصحوا صباحاً على كارثة

((فلا منزل يحتويك )) ولاجبة ترتديك

ستستقبل الريح والبرد والليل،،،وحدك هنا

يخاطب الطفل بحنو

عزيزي ،،ما اسمك ،،،،،هيا قلي ما اسمك :؟؟

الطفل بوجل اسمي ((أُسيد ))المجنون :ياااااااااااااااااااااااااااالله

يالهذا الاسم الجميل هل تصدق ؟؟؟

لقد تناسيت ((غمي)) بمجرد سماع اسمك الموسيقي الجميل ،، هل تصدق ؟؟؟

ينفجر المجنون باكياً،، يستغرب ((أُسيد )) مايجري

يسأله مابك ؟

يرد عليه وقد امتلأ حزناً يبكي بحرقة وألم ظاهر

تذكرت أمي وغبت بعيداً

تذكرت هدهدتها لي وأنا طفل في مثل سنك

كانت تردد على مسمعي دوماً شعراً جميلاً

سأغنيه لك ::كانت تقول بصوتها العذب الندي :

(ياهلال ياسعيد ))،،،لاقني في المسيد((1))

واعشيك واغديك واقطع لك رأس الديك

،يضحك المجنون ...... يقهقه....... يهز الطفل

يسأله ((هل أعجبتك مثلي ))؟؟ يحدق المجنون في السماء

يبكي بحرقة يخاطب القمر ياهلال :

لو أنك أقرب قليلاً لما احتجت ،،،،لعيش المعاناة

ولم تلسعني اللوعة بفراقهم صعوداً عبر هذا السلم البغيض

تعال إلينا ولاتبتئس :

فمنا الكثير يخاف صعود السلالم ويخشى السقوط

,وهذا الصبي يحبك مثلي

هيا تعال،،، تعال أرجوك

،،، يجذب الصبي بعنف يخاطبه بحدة وعنف

ستقنعهم هكذا أفكار ذات حزن ستنجح في لي أعناقهم

ستنفث في روعهم ((سيخلد في ذهنهم ))

هراء خطير يردده الكهل قبل الصغير

ليس على هذه الأرض مايستحق البقاء

يجر المجنون ((أسيدا))

يجلسه معه على الأرض

تعال هنا أجلس

يتحسس المجنون الأرض بيد ويمسك بالأخرى طرف ملابس أسيد،،،،،يأخذ المجنون حفنة تراب

يشتمها ،،،، يقبلها

يسأله أسيد مابك ؟؟ يجيبه أعيش لحظة وفاء

لأم رؤوم،،،يحملق بغضب في وجه أسيد

يهزه بقوة يكلمه بحدة: أليست لنا هذه الأرض أم رؤوم ؟؟

((لماذ نمارس في حقها كل هذا الجفاء ))؟؟

قل لي أجبني ؟ أليس على هذه الأرض مايستحق البقاء؟؟

أسيد ،،، مرتعداً:نعم ،،،نعم على هذه الأرض مايستحق البقاء

ينتشي المجنون فرحاً مما قاله أسيد يجثو المجنون على ركبته ينهض ببطء ممسكاً بتلابيب أسيد

يحدق في القمر مجدداً ويجذب الصبي بقوة نحو صدره

تعال اقترب لنبني معاً

قصورٌ من أحلامٍَ وذكريات سنهدمها عندما

نفكر أن نرتقيه

يحملق في السماء مجدداً إذا ما اقتربت عزيزي القمر

سأخبرك يا سيدي سأصدمك بالقول عن ((ندرة الأصدقاء))

سألقي عليك ((كلاماً ثقيلاً )) تحذر منه فلول النخب

توثق لصحته كتب الحكمة والأنبياء

يحدثك عن ((انحسارالوفاء)) لأم أتينا على خيرها ((،

،يترك أُسيداً ....... ينفلت من يده كمن خارت قواه

فينطلق ((أُسيد))سريعاً بفرح غامر

ينفجر المجنون راقصاً يغني

شربنا ماؤها حلوا قراحا

رقصنا بين يديها انشراحا

تركنا صدرها نتفا جراحا

،،،،،

ينزوي باكياً يلفه الحزن :

وهانحن في لجة الأمنيات

نغادرها دون نظرة وداع

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

إذا مافرغنا من الذكريات

إذا مانشفنا من الأمنيات

سنلعن هذي السلالم

سنرشقها بالنعال

فقد نذرت نفسها

لامتشاق الغريب

سنقسوا عليها

سنسألها : لم ((لم تخبر الراحلين ،،،،بطول الطريق؟؟ ))

لماذا بدت هاهنا صامتة؟؟؟ عن البعد -عن اغتراب النفوس

وعن دربها المنتصب- وكم أنه موحشٌ ومخيف

يطيل نظره نحو آخر الشارع

يضع يده أمام جبهته -كمن يحاول درء الضوء عن عينيه -

يحرك رأسه يمط رقبته للأعلى -كمن يبحث عن شيء -

بصيح بصوت عال مناديا

أيا سّلم الأمنيات

لو أنك أقصر قليلا

لكنت لك وحدك أفصحت عن أمنياتي و((حلمي الوحيد بالبقاء )) هنا

لأن على هذه الأرض مايستحق البقاء

((على هذه الأرض مايستحق البقاء))

ينخرط في نوبة بكاء

يسند ظهره على الجدار المجاور ويذهب في نوم عميق ،،، رغم سقوط زخات من المطر

المرسل: ناصر بن محمد العُمري
المخواة ص.ب:6


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد