Al Jazirah NewsPaper Friday  09/07/2010 G Issue 13798
الجمعة 27 رجب 1431   العدد  13798
 
لماذا يتعين علينا أن نتحدث مع إيران؟
تشارلز كوبتشان

 

مرَّ عام كامل على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران. ورغم الجهود المتواصلة التي تبذلها المعارضة الإيرانية للطعن في نتائج الانتخابات ودعم التحرير على المستوى السياسي، فقد نجح أحمدي نجاد وحلفاؤه إلى حد كبير في إحكام قبضتهم على السلطة باستخدام القوة الغاشمة لقمع حركة الإصلاح. وتراجعت الآمال في قيام انتفاضة شعبية تؤدي إلى الإطاحة بالنظام الحاكم في إيران.

وفي الوقت نفسه، تتصاعد أزمة البرنامج النووي الإيراني. فالنظام الإيراني مستمر في تحدي جهود المجتمع الدولي الرامية إلى منعه من إنتاج الأسلحة النووية. وفي الرد على هذا التحدي كانت إدارة الرئيس باراك أوباما تعمل من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على فرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة على إيران. ومع ذلك فإن إيران أصبحت الآن على وشك إتقان عملية تخصيب اليورانيوم إلى الحد المطلوب من النقاء لإنتاج الأسلحة النووية. وكلما اقتربت إيران من إنتاج السلاح النووي، كلما ارتفعت احتمالات إقدام إسرائيل، سواء بمساعدة أو من دون مساعدة الولايات المتحدة، على شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

إن تعنت الحكومة الإيرانية، والجهود السافرة التي تبذلها لتضليل المفتشين النوويين، وقمعها الوحشي للمعارضين السياسيين، كل هذا يشكل سبباً وجيهاً لابد وأن يدفع أوباما إلى إغلاق باب الحوار مع إيران. فبعد فشل الدبلوماسية في كبح جماح طموحات إيران النووية، يقول منتقدو المشاركة إن الوقت قد حان للجوء إلى الإكراه قبل أن تتمكن إيران من الانضمام إلى النادي النووي. وهناك أصوات متعالية تدين محاولات إشراك حكام إيران الآن، وتصر على أن الوقت قد حان لرحيل النظام.

ولكن إغلاق باب الحوار مع إيران سوف يشكل خطأً فادحاً وخطيراً. وكما أؤكد في كتابي الجديد «كيف يتحول الأعداء إلى أصدقاء»، فإن حتى أشد الخصوم عداوة من الممكن أن يسووا خلافاتهم بالتفاوض. وهناك أربعة أسباب قاهرة لابد وأن تحمل الولايات المتحدة وحلفاءها على إبقاء باب الحوار مفتوحاً لأطول مدة ممكنة.

السبب الأول أن العقوبات الأكثر صرامة ليست مجدية إلا كأداة دبلوماسية، ولا يمكن اعتبارها أداة إكراه ناجحة. فالعقوبات الجديدة ببساطة ليست شديدة بالقدر الكافي لترهيب إيران وحملها على الخضوع، والعقوبات الأكثر صرامة لن تنجح في حشد الموافقة اللازمة في مجلس الأمن. وعلى هذا فإذا كان للعقوبات الأكثر صرامة أن تثبت جدواها، فإنها لن تنجح في ذلك إلا من خلال مواجهة إيران بجبهة دبلوماسية موحدة، وبالتالي تشجيع حكومتها على قبول اتفاق التسوية من أجل إنهاء عزلة البلاد. والواقع أن العقوبات الجديدة لها ما يبررها، ولكن كأداة مكملة وليس كبديل للجهود الدبلوماسية.

والسبب الثاني أن تكاليف التخلي عن الدبلوماسية باهظة إلى الحد الذي يجعل من استمرار جهود المشاركة أمراً منطقياً حتى على الرغم من رفض إيران للتراجع. والتخلي عن الدبلوماسية يعني أن المجتمع الدولي سوف يجد نفسه في مواجهة خيارين قبيحين: التعايش مع إيران النووية أو شن ضربة عسكرية وقائية ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وإذا امتلكت إيران السلاح النووي في نهاية المطاف، فقد تتبنى ضبط النفس في سياستها الخارجية؛ فالمعروف تاريخياً عن الدول المسلحة نووياً أنها تتسم بالحذر، وذلك لأنها تواجه احتمالات الانتقام النووي. ولكن النظام الإيراني لا يشكل حكومة عادية؛ وقد لا يلتزم هذا النظام بممارسات ضبط النفس النووية. وحتى لو فعل فإن وجود إيران نووية قد يؤدي إلى انطلاق سباق تسلح محموم في المنطقة وقد يشجع الحكومة الإيرانية التي تدعم الحركات المتطرفة في مختلف بلدان الشرق الأوسط. والواقع أن وجود مظلة أمان أمريكية فوق منطقة الخليج العربي وإسرائيل قد يهدئ الأعصاب المشدودة، ولكنه لن يجدي إلا قليلاً في مواجهة الدعم الإيراني للمتطرفين الإسلاميين.

ومن المرجح أن تؤدي الضربة العسكرية إلى عواقب أوخم. فحتى لو نجحت الضربة في تحقيق أهدافها على مستوى العمليات العسكرية، فإنها لن تنجح إلا في تأخير البرنامج النووي الإيراني لعدة سنوات - في حين تمنح النظام حافزاً جديداً إلى امتلاك قدرة ردع نووية وبناء منشآت نووية أفضل تمويهاً وأكثر تحصيناً. وفي ردها على الهجوم فقد تسعى إيران إلى عرقلة الملاحة في الخليج العربي، الأمر الذي قد يؤدي إلى نقص المعروض من النفط على مستوى العالم وارتفاع أسعاره إلى عنان السماء.

والسبب الثالث لمتابعة الحوار هو أن الاقتتال الداخلي والمكائد السياسية داخل صفوف النظام الإيراني تعمل على توفير قدر معقول من الحراك السياسي. ومن المعترف به أن الاضطرابات في طهران تؤدي إلى التقلب في السياسة الخارجية الإيرانية، الأمر الذي يبرر الحذر في التعامل مع توقعات التوصل إلى تسوية دبلوماسية ذات مغزى. ولكن المناورات الداخلية الرامية إلى الفوز بالسلطة تعني أيضاً ارتفاع احتمالات وصول تحالف يفضل التسوية عن طريق التفاوض إلى السلطة.

وحتى أحمدي نجاد ذاته أعرب في أواخر العام الماضي عن تحمسه للاقتراح الغربي للخروج من المأزق عن طريق تصدير اليورانيوم الإيراني لمعالجته في الخارج، ولكنه سرعان ما تراجع. ثم عاد في الشهر الماضي إلى عكس المسار من جديد، من خلال العمل مع البرازيل وتركيا على صياغة نسخة مخففة من الاقتراح الأصلي. وقد يكون كل هذا مجرد مناورات من أحمدي نجاد، ولكن سلوكه المراوغ قد يزيد من احتمالات إدراكه للفرصة السياسية السانحة لعقد صفقة جادة فيما يتصل بالقضية النووية. وتحسباً لهذا الاحتمال فقط، يتعين علينا أن نبقي أبواب الدبلوماسية مفتوحة جزئياً.

وأخيراً، حتى إذا ما استمر الجمود بشأن تخصيب اليورانيوم الإيراني، فإن المشاركة المستمر قد تقدم لنا سبلاً جديدة للتوصل إلى صفقة بشأن القضية النووية. وقد يركز الحوار مع الولايات المتحدة على مناطق مثل العراق وأفغانستان، حيث يتقاسم الطرفان أرضية مشتركة إلى حد ما. وقد تساعد الجهود المشتركة في مكافحة تجارة المخدرات في أفغانستان في تخفيف الخصومة المتبادلة وانعدام الثقة الذي يساهم في الجمود على الجبهة النووية. والحق أن إيران لا تزال على مسافة عدة سنوات من إتقان التكنولوجيا المطلوبة لصناعة الأسلحة النووية، وهو ما يوفر الوقت للبحث عن فرص للدبلوماسية.

مع رفض إيران لعروض التسوية التي تقدم بها أوباما، فقد بات من المغري بالنسبة للإدارة الأمريكية أن تدير ظهرها للحوار. ولكن المخاطر المترتبة على التخلي عن الدبلوماسية والمشاركة هائلة. وحتى في ظل احتمالات فرض عقوبات جديدة في المستقبل القريب، فإن الحوار يظل يشكل الاحتمال الأفضل للتوصل إلى حل سلمي للنزاع الذي قد يكون الأخطر على مستوى العالم في عصرنا الحديث.

* أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد