Al Jazirah NewsPaper Friday  09/07/2010 G Issue 13798
الجمعة 27 رجب 1431   العدد  13798
 
إجراءات السوق تحاول وضع حد لتراجع السيولة المتداولة منذ 2006

 

رغم الأزمات الاقتصادية والمالية المتتالية التي تعرض لها الاقتصاد العالمي خلال العامين الأخيرين، ورغم أن هذه الأزمات أثرت على كافة بورصات العالم، ورغم أن هذه التأثيرات كانت منطقية إلى حد كبير، فهذا حال أسواق المال بحساسيتها المفرطة لأي مخاوف أو مخاطر من هنا أو هناك، إلا أن كافة الأسواق تمرض وتشفى، وتنحدر وتصعد، وتكون محلا لدخول وخروج السيولة المتداولة، إلا إن سوق الأسهم المحلي لم يستجب لهذه الأزمات فقط، ولكنه أصبح يسير في طريق آخر وهو طريق تصحيحه القديم.. فمنذ 26 فبراير 2006م، وحتى الآن والسوق لم يعد مطلقا كما كان، ولم يتراجع عن مساره الهبوطي طويل المدى، بل أن مسار السيولة المتداولة أصبح هو المسار الأكثر قلقا من مسار المؤشر نفسه. فالمؤشر نسبيا وعلى المدى القصير يظهر أنه يتحرك صعودا وهبوطا، إلا أن السيولة اليومية المتداولة لا تأخذ هذا المسار، ولكنها تأخذ مسارا هبوطيا على طول الخط.. فمن مستوى كان يفوق 19.9 مليار ريال يوميا في عام 2006، انحدرت السيولة المتداولة إلى مستوى 10.3 مليار ريال في عام 2007م، ثم إلى 7.8 مليار ريال في عام 2008م، حتى استقرت عند 5.1 مليار في 2009م، إلا أن الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل تراجعت السيولة اليومية المتداولة إلى ما يناهز 3 مليار يوميا خلال الشهور الأخيرة.

إنها معضلة كبرى لم تتمكن كافة سياسات وإجراءات هيئة السوق المالية من وضع حد لها، بل إن الأمر لا يزال مستمرا في التفاقم والنزيف مستمرا في الازدياد.. وبأقل الحسابات وأبسطها، فإنه بناء على زيادة عدد الشركات المتداولة بالسوق بحوالي الضعف خلال الثلاث سنوات الأخيرة، كان يفترض أن تزداد السيولة المتداولة بالسوق بنسبة موازية.. أو على الأقل كنا نتوقع أن تظل مستويات السيولة المتداولة عند نفس مستوياتها السابقة.. ولكن للأسف النزيف أصبح دوريا ومستمرا ومتواصلا رغم زيادة عمق السوق وزيادة عدد الشركات المتداولة فيه، وحتى رغم زيادة أشكال وأصناف وأنواع المتداولين بالسوق.. فبعد أن كان الأفراد السعوديون هم المستحوذين لما يزيد عن 95-98% من حركة التداول، أصبح الآن هناك نسبة تصل إلى حوالي 15% تتداول بالسوق غير هؤلاء الأفراد، ما بين شركات وصناديق استثمار وخليجيين وأجانب واتفاقيات مبادلة وغيرها.

وفي الاعتقاد أن هيئة السوق المالية محتاجة لأن تراجع سياساتها وتعيد تقييم الوضع العام للسيولة تحت اعتبار أنها تمثل العنصر الأهم لتقييم مدى جاذبية أي سوق.. فالسيولة المتداولة مستمرة في التراجع، والسكوت عليها بهذا الشكل قد يتسبب في مزيد من النزيف.

البعض يقول إن السيولة المتداولة في 2005-2006م كانت عبارة مضاربات وتدوير، وبالتالي لا نستطيع البناء عليها اعتبارا أنه يوجد نزيف بالسيولة الآن، وبالتالي فإنه بالقضاء على هذه التدويرات عادت السيولة إلى مجراها الطبيعي.. أي أن هناك من يقول أن مستوى السيولة الحالي هو المستوى الحقيقي لسيولة السوق، وأن المستويات الماضية في 2006 كانت مجرد تدويرات.. إلا أن هذا الكلام مردود عليه، بأنه بالفعل كان هناك تدوير ولكن لا يعقل تصديق أن نسبة التدوير كانت تفوق نسبة السيولة الحقيقية، ولا يعقل تصديق أن كل من بالسوق في 2005-2006م كانوا يدورون كامل محفظتهم عشرات المرات يوميا.. هذا الكلام غير منطقي.. نعم كانت هناك نسبة تدوير ولكنها كانت في حدود نسبة معينة لا تتجاوز نسبة 10-30% من المتداولين بالسوق على سبيل المبالغة وليس الحصر.. ولابد أن نعترف أن حجم السيولة الجديدة المتدفقة للسوق الآن يتراجع من حين لآخر.. فخلال عام 2005-2006 كان لا يوجد سعودي أو مقيم بالمملكة لا يفكر في الاستثمار في سوق الأسهم أو في صناديق الاستثمار، هل الوضع كذلك الآن؟ بالطبع لا، بل يمكن القول بأن هناك نوعا من هجرة السوق على الأقل في أذهان المواطنين والمقيمين.. نحن نتكلم عن واقع ملموس. إن نبرة حديث الأفراد عن سوق الأسهم الآن تختلف عنها كثيرا منذ عامين أو ثلاث.

أما القضية الأخرى، فهي التساؤل الملح حول: هل فعلا الخسائر التي لحقت بالمتداولين في أزمة تصحيح السوق هي السبب الرئيسي وراء تراجع السيولة المتداولة حاليا؟ في اعتقادي الإجابة بنعم نسبيا، لأن حجم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالمتداولين (الرئيسيين بالسوق) سببا رئيسي وراء تراجع السيولة المتداولة .. فسوق الأسهم المحلي قائم أصلا على شريحة أساسية من المتداولين، هم من المتداولين المضاربين، هذه الشريحة لحقت بها خسائر، بعضهم عالق والبعض الآخر هجر السوق.. أما عن الإجراءات الجديدة المتبعة من قبل هيئة السوق، والتي كان آخرها اتفاقيات المبادلة ثم صناديق المؤشرات، بكل حيادية هذه الإجراءات من غير المحتمل أن يكون لها التأثير القوي على عودة السيولة أو وقف نزيفها، لأنها إجراءات ترتبط بآليات متخصصة، ليست هي المأمولة من قبل المتداولين.

ومن جانب آخر، يتمثل أحد أبرز أسباب نزف السيولة الآن في هجرة قطاعات سوقية معينة وخروجها عن نطاق الاهتمام سواء بالتداول أو المضاربة، هذه القطاعات كانت محور اهتمام المضاربين في الماضي، حيث يوجد أسهم معينة لا تزيد السيولة اليومية فيها عن قيمة المليون ريال.. ولنعطي مثالا بيوم الثلاثاء الماضي، حيث إن هناك عشرة أسهم لم تزد السيولة المتداولة فيها عن (1) مليون ريال، والأمر المستغرب أنه كان يوجد ثلاثة بنوك من بين هذه الأسهم.. فهل يعقل بنك بضخامة بنك ساب مثلا لا يتداول سوى بقيمة 278 ألف ريال خلال يوم تداول.. ومن جانب آخر، فهناك حوالي (28) سهما لم تزيد عدد صفقات أيا منها عن (100) صفقة فقط، وهو عدد ضئيل ومتدنٍ ينم عن هجرة جزئية لهذه الأسهم.. وحتى رغم معرفتنا أن هذه الفترة هي فترة إجازات، كما أنها فترة ترقب لصدور نتائج الشركات للربع الثاني، إلا ان نزف السيولة غير مرتبط بكل هذه الظروف، ولكنه أصبح وضعا مستمرا ودائما، ويحتاج إلى بحث وتقصٍ لاستعادة المستويات المفقودة ليس في عام 2006 (غير الاستثنائية)، ولكن على الأقل الحفاظ على مستوى الخمسة مليار ريال كمتوسط لعام 2009، والتي في الاعتقاد أنها أصبحت صعبة المنال حاليا.

د. حسن أمين الشقطي


Hassan14369@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد