Al Jazirah NewsPaper Wednesday  14/07/2010 G Issue 13803
الاربعاء 02 شعبان 1431   العدد  13803
 
فن إدارة الغضب
فهد بن محمد الحمدان

 

جلس صالح في وسط مجموعة من أصدقائه يحكي لهم موقفاً انفعل بسببه وتكلم بكلام وتصرف تصرفات لا تليق أثناء قيادته للسيارة بسبب أن أحدهم ضايقه في الطريق بسيارته، فقال له صديقه ناصر: لو كنت مكانك لكنت أكثر هدوءاً ولتعاملت مع هذا الموقف بطريقة أفضل، أنا وأنتم على يقين أن ناصر لو تعرض لنفس الموقف لكان رد فعله مشابهاً لما فعله صالح، فما هو تفسير الاختلاف بين كلام ناصر عن نفس الموقف وبين رد فعله المتوقع؟ إنه الفرق بين تصرف العقل اللاواعي الذي يمثله تصرف صالح وهو الموقف النابع من الخبرات والتجارب والمواقف الجيدة والسيئة التي تعرض لها أحدنا منذ أن كان في بطن أمه، والتي يخزنها كل منا في دماغه ويتصرف بموجبها بدون وعي منه ويكون هذا التصرف غالباً غير مناسب، وبين كلام ناصر النابع من العقل الواعي المدرك المفكر، يستطيع كل منا أن يغير طريقة تفكيره الناتج عن المواقف التي يتعرض لها بحيث يتجنب الغضب المسيء له والمؤذي للآخرين، وسأذكر طريقة ذلك ثم في نهاية المقال سأذكر كيفية معالجة الموقف الذي حدث لصالح بحيث يتصرف تصرفاً عاقلاً.

وكنت قد رأيت قبل أيام صاحب سيارة قد أوقف سيارته عند إحدى محطات تعبئة وقود السيارات، وبعد قليل سمعت صوته قد ارتفع وبنبرة غاضبة جداً وهو يقول للعامل المكلف بتعبئة الوقود: أنا طلبت منك تعبئة خزان وقود السيارة بعشرة ريالات فقط وأنت قمت بتعبئة الخزان كاملاً بالوقود وأنا لن أعطيك ريالاً واحداً زيادة على العشرة ريالات، واستمر الوضع لمدة 10 دقائق في نقاش حاد، ارتفع فيه صوت الجميع مصحوباً بعبارات بذيئة، وكاد الوضع يتطور؛ فعرضت على صاحب السيارة أن أعطي العامل الفرق بحيث ينتهي الموضوع؛ فخجل من نفسه وأعطى العامل المبلغ كاملاً.

مقدمة

الغضب يغطي العقل، ولو رأى الغضبان نفسه (حال غضبه) لخجل من قبح صورته وما يظهر على لسانه من الفحش والشتم وما يظهر على أفعاله من الضرب والسوء وما يضمره في قلبه من الحقد والكراهية، وفي السطور التالية طريقة التحكم في الغضب، وهي لا تنجح إلا بالاقتناع بها وتكرارها حتى تصبح عادة.

تعريف الغضب

هو إثارة عاطفية تبتدئ بحماس قوي (بسبب زيادة إفراز هرمون الإدرينالين) إما بتعبير حركي أو لفظي أو بميل عدواني يصعب في أغلب الأحيان ضبطه والسيطرة عليه، والغضب طبيعة بشرية خلقها الله سبحانه وتعالى.

آثار الغضب على الجسم ونتائجه المدمرة

تفرز الغدد الصماء هرمونات تزيد عن حاجة الجسم الطبيعي إليها أثناء الغضب مثل الأدرينالين حيث كانت هذه الهرمونات مخصصة لعمليات البناء في الجسم واستخدامها للدفاع عنه عند الحاجة مما يؤدي إلى ضعف في مناعة الجسم.

كما يتسبب الغضب المتكرر في إدخال الكثير من المواد الكيماوية إلى داخل المخ مسبباً أعراضاً لا تحدث إلا بدخولها مثل الصداع والغثيان والدوخة، كما يسبب ارتفاع ضغط الدم، ومع الزمن يؤدي إلى زيادة سمك الشرايين التي تحمل الدم إلى النصف الأمامي من المخ؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث الجلطة أو السكتة الدماغية، وإلى تعطيل وظائف جهاز الهضم مثل سوء الهضم وخلل في إفراز العصارة المعدية التي تعمل على تسهيل عملية الهضم, بل تؤدي أحياناً إلى تلف أنسجة الجسم كما هو الحال في القرحة الهضمية مثل قرحة المعدة وقرحة الاثني عشر والتهاب القولون وقد يسبب مرض السكر ويكون الجسم مهيأً للإصابة بالسرطان.

ويرى بعضهم أن التأثيرات التي تحصل في البدن نتيجة الغضب الشديد تسبب فيضاً هرمونياً يؤدي إلى ما يشبه التماس الكهربائي داخل المنزل بسبب اضطرابات الدائرة الكهربائية، وما ينتج عن ذلك من تعطل في كافة أجزاء الدائرة الكهربائية.

كيفية التحكم في الغضب

أثبتت الدراسات أن 99% من الجرائم والمشاكل التي تحدث بين الناس تحدث في الـ20 ثانية الأولى من حدوث السبب المؤدي للغضب (والتي تشبه الطريق المزدحم المثير للضيق والضجر والمسبب للانزعاج والتوتر ثم سيليه طريق واسع مريح سيستمتع به كل منا إذا تحكم في انفعالاته في الطريق المزدحم)، وفي هذا المقال سنذكر طريقة التحكم في النفس خلال هذه المدة القصيرة لنتخلص من أكثر مشاكلنا التي نحن السبب الرئيسي فيها دون أن نشعر.

أولاً: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

(وإذا غضب أحدكم، فليسكت)؛ فالسكوت يصل بتفكير الإنسان إلى العقل الواعي، ويتجاوز بذلك فترة الـ20 ثانية الحرجة.

ثانياً: تنفس تنفساً عميقاً بعد حدوث المؤثر مباشرة (حيث سيعود الدم إلى الدماغ بعد أن اندفع في حال الغضب إلى الأطراف)؛ مما يجعلك أكثر تركيزاً وهدوءاً، مثل اللاعب الذي يقوم بتسديد ركلات الجزاء حيث يتنفس بعمق قبل التنفيذ ليكون أكثر هدوءاً.

ثالثاً: قم بتلاوة الأذكار التي تربطك بالله وتنزع عن نفسك الأهواء الشيطانية.

عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -: (لو يقول أحدكم إذا غضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ ذهب عنه غضبه)، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد: 28.

رابعاً: حاور نفسك (حتى تتجاوز الـ20 ثانية الحرجة) بذكر ما يلي:

1- صف حالك الآن بكلمة (أنا الآن: غاضب - متنرفز - زعلان) حتى تدرك وضعك الحالي وتقوم باتخاذ اللازم تجاه هذا الوضع؛ فالمريض لا يذهب للمستشفى إلا إذا أدرك أنه مريض بحاجة إلى العلاج.

2- اسأل نفسك: لماذا أنا الآن غاضب؟ حتى تعرف سبب غضبك ويمكنك معالجته.

3- أسأل نفسك الآن سؤالاً: هل هذا السبب يستحق أن أغضب لأجله؟

ولأجل تفعيل الفقرة الأخيرة، قم قبل ذلك بالتمرين التالي:

سجل أهم عشرة أسباب تؤدي إلى غضبك في ورقة، ثم أقرأها واسأل نفسك سؤالاً: هل هذه الأسباب تستحق أن أغضب لأجلها؟ وضع علامة (صح) وعلامة (خطأ) بعد إجابتك عن السؤال، ثم اسأل نفسك سؤالاً آخر: هل هذه الأسباب تغضب الناس كلهم أم أنا فقط (تذّكر أنك قد تكون حساساً جداً لكلام الناس وتصرفاتهم؛ أي أن ثقتك بنفسك منخفضة)، واستبعد الأسباب التي تغضبك أنت فقط، وأنا على يقين أنك ستستبعد أكثر من نصف الأسباب العشرة التي سجلتها سابقاً ثم بعد ذلك لن تثير هذه الأسباب غضبك بعد الآن، وتكون قد كسبت راحة بالك وسعادتك.

خامساً: حاول الابتعاد عن المكان الذي حدث فيه الغضب.

سادساً: فكّر في نتائج التصرف الذي ستقوم به حال الغضب.

سابعاً: غيّر وضعك الحالي، عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا: «إذا غضب أحدكم، وهو قائم، فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع».

ثامناً: توضأ، عن عطية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ».

تاسعاً: اكتب الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تبين أضرار الغضب وكيفية تلافي آثاره السيئة واحتفظ بها في ورقة وأقرأها باستمرار، ولمساعدتك وضعت لك بعضها في السطور التالية (وهي لا تكفي عن بحثك عن المزيد منها؛ فالقرآن والسنّة فيهما كنوز لا يمكن حصرها):

أ‌- من القرآن الكريم:

1- قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} الشورى: (37).

2- وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران (134).

3- وقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} الشورى: (40).

4- وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (34) سورة فصلت.

5- وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (المائدة 13).

ب) من السنة النبوية المطهرة:

1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).

2- وعن معاذ بن أنس الجهني - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين فيزوجه منها ما شاء).

3- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني، قال: (لا تغضب), فردد مراراً قال: (لا تغضب), لا تغضب؛ أي: تجنب آثار الغضب).

4- وقال أبو مسعود البدري: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعت صوتاً من خلفي: اعلم أبا مسعود، فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، قال: فألقيت السوط من يدي، فقال: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، قال: فقلت لا أضرب مملوكاً بعده أبداً.

وفي نهاية المقال أعود إلى قصة صالح، حيث سنناقش كيف يتحكم في أعصابه ويكون ذلك بعد أن يقرأ صالح نفسه (الذي هو أحدنا) هذا المقال، عبر الخطوات التالية:

فيسأل صالح نفسه:

1- هل هذا الشخص الذي ضايقني بسيارته يقصد أن يهينني ويؤذيني أنا بالذات أم أنه يتصرف بهذا التصرف مع الناس كلهم؟

2- هل أعامل هذا الشخص بأخلاقه أم يجب أن أعامله بأخلاقي أنا التي أستمدها من كتاب الله وسنّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؟

3- هل هذا الشخص يمر بظروف معينة جعلته يتصرف هذا التصرف، فيجب أن أتفهم ظروفه؟

4- ما هي النتائج المستقبلية لردي غير المنضبط على هذا الشخص؛ فقد تتطور الأمور إلى الأسوأ، فهي شرارة قد تؤدي إلة نار تأكل حسناتنا وأعصابنا وأوقاتنا وقد تجرعنا مرارة نظل نتجرعها طول عمرنا تنغص علينا حياتنا؟!

5- هل رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان ينتصر لنفسه؟ والإجابة هنا واضحة جداً فلم يكن رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ينتصر لنفسه قط.

ويحاول صالح أن يقوم بصرف ذهنه عن التفكير في هذا الموقف بالقيام ببعض الأمور العملية البسيطة مثل:

1- أن يبتسم في وجه من أساء إليه.

2- أن يشغل نفسه بتشغيل المسجل أو الراديو أو يمسك المقود بقوة أو أي تصرف آخر.

3- أن يمسك بأي أداة في يده ويضغط عليها لتصريف غضبه.

وبعد هذه الخطوات التي يساندها ما ذكرناه في بداية المقال، سيجد صالح نفسه قد هدأت، ويصبح تصرفه مناسباً بل سيكسب احترام الآخرين له، وقبل ذلك احترامه لنفسه.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد