Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/07/2010 G Issue 13804
الخميس 03 شعبان 1431   العدد  13804
 
في عهد المعرفة نحتاج فلسفة ومنطقاً
حسن اليمني

 

لا يتردد منصف في القول، إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد أرسى في عهده الميمون مرحلة العلم والمعرفة والتجديد، ونرى ونشاهد ذلك من خلال ما تم إنجازه أو بدأ تنفيذه من مدن علمية ومعرفية ومالية واقتصادية وتجديد إصلاحي في كثير من النظم والإجراءات وكذلك إعادة تأسيس بعض الأجهزة الرئيسية والمهمة إضافة إلى إنشاء واستحداث آليات تخصصية لدعم ما هو قائم لمسار البناء والتنمية والتخطيط، ولكون بناء المجتمعات والدول لا تظهر نتائجه إلا بعد سنوات، فإن انعكاس فوائد هذه الإنجازات على المواطن لن تظهر بشكل جلي وواضح قبل عشر سنوات على الأقل، وإن كانت فعلا بدأت تظهر الملامح بفعل ضخامة وكثافة التوجه وسرعة التنفيذ والذي حول الوطن إلى ما يشبه ورش المصانع التي تعج بالنشاط في كل اتجاه.

وفي مجال العلم والمعرفة بالأخص، فقد استهل خادم الحرمين الشريفين عهده بمشروع حاسب آلي لكل مواطن في خطوة حضارية متقدمة، لولا أنه وبكل أسف لم يتح لهذا المشروع النجاح بالشكل الذي كان يتمناه مقامه الكريم بفعل تخلف الوعي لدى البعض وضعف الوازع لدى البعض الآخر, والأمر ذاته يقال في توجهه حفظه الله في القضاء على المدارس المستأجرة في خطة جبارة تستهدف إدخال الحاسب الآلي وشبكة المعلومات إلى المدارس وتحويلها إلى مدارس ذكية تستغني عن حقن المعلومات المحنطة في عمليات التلقين إلى تنشيط وتفعيل ملكات الطلاب في المشاركة بالعلم والمعرفة والخروج من الأنماط التقليدية إلى روح العصر المعلوماتي وتقنياته، ولست هنا لأستعرض الإنجازات بقدر ما يدفعني عشقي للعلم والمعرفة إلى طرح ما أعتقد أننا نحتاجه فعلا وبشكل ملح.

إن مصطلح الفلسفة اليوناني وقد عرب وأصبح جزءاً من اللغة العربية، إلا أن ترجمته الحقيقية المتكونة من كلمتين هي « فيلو» أي محبة و» صوفيا « أي الحكمة، ولو قدر لنا أن نفهمه بهذا المعنى لكنا أحرص الناس على إدخاله ضمن مناهجنا الدراسية، وليكون من ضمن قيمنا الثقافية وداخلا في تشكيلاتها وتوجيهاتها واتجاهاتها، ذلك أن الفلسفة أو حب الحكمة بحد ذاته يفتح الأبواب والنوافذ للعقل والفكر للبحث والتحليق في فضاء العلم والمعرفة بدوافع ذاتية لتثري الأسئلة والأجوبة وتوسع النقاش والحوار فيما هو أبعد من ما هو مطروح أو حتى متصور في بداياته.

إنه وبرغم توسع جامعاتنا في توفير العلوم العلمية والأدبية والتقنية والشرعية، إلا أن علوم الفلسفة والمنطق لازالت غائبة عنها، وبغيابها غاب منهج المنطقية والحكمة في بعض الإجراءات والسلوكيات وإن حضر بمحض ضرورته أو طبيعة وجوده، لكني أظنه أنه قد آن الأوان في عصر تداخلت فيه الثقافات وتماست فيه المصالح وتعانقت فيه المصائر، أن لا نتخلف عن الآخرين في سباق المعرفة من المشاركة والإسهام بالفكر والاستقراء, وأن ندخل مشاركين ومؤثرين لا مستهلكين ومتلقين، فقد كان العرب والمسلمون من بين أوائل من أسس أو دعم هذه العلوم أو لنقل من أعاد إحيائها وتطويرها بعد المرحلة اليونانية، ولعل محمد الفارابي وحسين بن عبدالله بن سيناء ومحمد بن رشد وعبدالرحمن بن خلدون من بين أساتذة ورواد هذه العلوم، والذين ترجمت كتبهم إلى لغات أخرى وتلقت عنهم أوروبا العلوم في الرياضيات والجبر والهندسة والطب والكيمياء والفلك والتاريخ والاجتماع، واليوم وقد صرنا إلى مستهلكين بذهول وتعجب إلى ما يقدمه لنا الآخرون، لابد أن نعترف أن توقفنا وتأخرنا في هذا المجال، هو الذي ربما أرهق وعطل طموحاتنا في اللحاق بالآخرين في المعرفة والعلم والإنتاج.

وفي عهد العلم والمعرفة الذي يقوده الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحق لنا أن نتفاءل بخطوة في هذا الاتجاه مطمئنين لحرص أصحاب الرأي والفكر على تحسس أهمية وقيمة مناهج الفلسفة وإن كانت موجودة أصلا في جامعاتنا اليوم كفلسفة التاريخ وفلسفة الجغرافيا إلا أن فلسفة المنطق والسلوك لا زالت غائبة، وفي مراحل التحول تصبح فلسفة السلوك والمنطق غاية في الأهمية.



Hassan-alyemni@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد