Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/07/2010 G Issue 13804
الخميس 03 شعبان 1431   العدد  13804
 
كشف حساب ثقافي
سهام القحطاني

 

الكاتب في الشؤون الثقافية والفكرية يختلف عن الكاتب في الشؤون الاجتماعية وحاصل الاختلاف مرجعه طبيعة كل من الحدث الثقافي والحدث الاجتماعي؛ فالحدث الاجتماعي يتصف بالكثرة والتنوع والسرعة والتلاحق والتغير والجزئية والإفراد، في حين أن الحدث الثقافي يتصف بالقلة والبطء والتركيب والكلية.

وبناء على صفات كلا الحدثين النوعيين، يجد الكاتب في الشؤون الاجتماعية أنه يملك مصدر لمادته الكتابية متنوعا ومتجددا، على عكس الكاتب في الشؤون الثقافية فهو لا يستطيع الاعتماد الكلي على الحدث الثقافي كمصدر أحادي لمادته الثقافية كما يفعل الكاتب الاجتماعي.. ولذلك فمتابعة الحدث الثقافي لا تحقق الكفاية الإغنائية للمادة الثقافية للكاتب في الشؤون الثقافية وهو ما يدفع الكاتب في الشؤون الثقافية إلى تعدد مصادره ما بين متابعة الحدث الثقافي وتحليله ونقد الفعل الثقافي ودراسة منجز العقل الثقافي وأظن أن هنا تكمن صعوبة الكتابة الثقافية في تعدد مصادر المادة الثقافية

لماذا لا تكتب ما يُفهم ولماذا لا تفهم ما يُكتب؟ علاقة المتلقي بما يكتبه الكاتب الثقافي، ليس من الضرورة أن يفهم كل قارئ ما يكتبه الكاتب الثقافي أو هكذا أعتقد.

عندما تقرر أن تقرأ المجلة الثقافية فصفة - الثقافية - تهيئ القارئ نفسيا بأنه سوف يقرأ كتابات نخبوية، والكتابة الثقافية في أصلها نخبوي ولذلك ليس من حق القارئ أن يعترض على ما يكتبه الكاتب الثقافي من كتابة نخبوية لا يفهمها ولا يستوعبها، أقول ليس من حقه الاعتراض لأن خيارات الاختيار متعددة، وأظن أن الثقافية تكاد أن تكون الوحيدة التي نجحت في تحقيق تكافؤ الاختيارات المتعددة، فداخل الثقافية تجد الكتابة النقدية والفكرية والفلسفية والوجدانية والإبداعية، وكل قارئ له الحق في اختيار قراءة الموضوع الذي يناسب ميوله وقدراته الفكرية وليس من حقه أن يعترض أو يهاجم أي نوع كتابي لا يتفق مع ميوله وقدراته، فليس من الطبيعة العقلانية أن نفرض على الجميع أن يتساووا معنا في ميولنا لكن من الطبيعي العقلاني أن نطالب بتعددية الاختيارات والأنواع.

ولا أندهش أن يصلني إيميل من قارئ يقول لي فيه فهمت موضوعك الفلاني ولم أفهم موضوعك الفلاني، وهو أمر طبيعي فالموضوع الذي فهمه متعلق عادة بمتابعة الحدث الثقافي أي أن الفكرة حاضرة في ذهنه( محيط الاهتمام)، كما أنها مرتبطة بضجة الواقع، ولم يفهم الموضوع الآخر لغياب الفكرة عن ذهنه وعدم ارتباطها المباشر بالواقع.

كما لا أندهش عند يقول لي مثقف ما الفائدة من المطولات التي تكتبينها لا أحد يقرأها، ولا أندهش عندما يقول مثقف آخر حرام تنشرين هذه الدراسة في الجريدة لا أحد يقرأها.

وعادة لا أهتم بهذه الآراء مع احترامي لأصحابها لثلاثة أسباب هي:

1 - لدينا دائما مشكلة وهي تعميم ما تعتقده ذواتنا، فعندما لا أقرأ لكاتب أتوقع أن الجميع لا يقرؤون له، وعندما لا أفهم ما يكتبه أتوقع أن الجميع لا يفهمون ما يكتبه، وهذا غالبا غير صحيح ليس لأنه يفتقد الدليل الإحصائي فقط، بل لأن ليس من الضروري أن يتفق معي الآخرون فيما لا أعتقده ولو أن كلا منا ترك هامشا في مساحة رأيه للرأي المختلف ما وقعنا في فخ التعميم.

2 - هل فعلا لا أحد يقرأ الدراسات أو القراءات التي تنشر في الصحف؟

أنا مؤمنة أن الكتابة في الأحداث الثقافية لا تحقق إضافة نوعية للكاتب ولا يمكن أن ضمها لسجله الثقافي، لأنها مؤقتة ومتغيرة ولا تتضمن رؤية فكرية تنظيرية ولا أقصد أن التطبيق يفسد النظرية إنما أقصد أن النظرية تسبق التطبيق وعدم الالتزام بالتراتبية هو الذي يفسد النظرية لأنه يحسرها في محيط الواقعة فالنظرية هي التي تصنع الواقعة وليس العكس.

إضافة إلى ما قلته سابقا من عدم كفاية الأحداث الثقافية لتكوين مادة ثقافية على مدى موسم ثقافي كامل، ولذلك لا يمكن أن يستغني الكاتب الثقافي عن تحليل المنجز الثقافي بجوار متابعة الحدث الثقافي.

3 - إن الدوام على كتابة المقال الثقافي يضر بلياقة الأسلوب التأليفي للكاتب، وحتى يحافظ الكاتب على لياقة أسلوبه التأليفي لا بد أن يراوح بين أسلوب المقال الثقافي من خلال متابعة الحدث الثقافي وأسلوب التأليف من خلال تقديم الدراسات والقراءات الثقافية.

أنا مؤمنة دائما أن هناك أناسا في أماكن مختلفة يقرؤون المطولات التي أكتبها، وسيأتي آخرون يوما من الأيام يقرؤونها، ولذلك لا أندهش عندما تصلني إيميلات من طلاب جامعة يقولون لي أنهم قرؤوا لي موضوعات من سنة وسنتين واستفادوا منها ويطلبون مني اسم مؤلفات وهل لي كتب في هذه الموضوعات ويراجعونني في فكرة، صحيح أنهم ليس بكثرة لكني أكتفي بالقليل الجيد، وهذا يعني أن هناك من يقرأ ما أكتب من مطولات ويستفيد منها وسيأتي من يقرأها ولعله يستفيد منها.

وعلى مستوى الشأن الثقافي وتحليل الحدث الثقافي يسعدني أن وزير الثقافة والإعلام معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة متابع لِما أكتبه ويسعدني بالتواصل معي ويسمع ما أقوله ويناقشني فيما أطرحه وهو تواصل أقدره، ودليل على سعة صدره وإيمانه بالرأي الآخر، ولذلك أقول إنني أكتفي بالقليل الجيد من المتابعة، وليس كثرة الضجيج.

هذا لا يعني أنه لا يهمني أن يقرأني القارئ الشعبي ويتواصل مع ما أكتبه ويتفاعل معه، بالتأكيد يهمني أن يتحقق لكن دون أي تنازلات ثقافية، أي دون أن أتنازل عن شخصيتي في طريقة التفكير وطريقة الأسلوب وطريقة المعالجة الثقافية للأشياء، فأنا لست مؤمنة بأن الكاتب يجب أن يتكيف مع وعي القارئ وأن يستجيب لذلك الوعي وأن يقدم معالجته الثقافية للأمور وفق سقف ذلك الوعي، بل مؤمنة أن الكاتب الجاد هو الذي يسعى إلى تشكيل وعي المتلقي ويطور رؤيته للأشياء ويرفع من جودة سلمه التقويمي.

لاشك أن الساحة الكتابية لدينا تشهد تحولا في نوعية الكتابة ولا أدري مدى قيمة ذلك التحول، فهل الضغط على مناطق الإثارة كالتشهير بالهيئات الدينية والمزايدات على الفتاوى والسؤال عن أهمية الثابت الديني وقيمته لتحصيل الهيجان قيمة للكتابة؟ أنا لست ضد نقد المؤسسة الدينية لدينا والمطالبة بإصلاح آلياتها ولست ضد نقد أفكار رجال الدين وتنحية المتطرف منهم أو المتلاعب بالوعي المجتمعي، لكني ضد نقد القيمة المفترضة للمؤسسة الدينية لأنها تؤسس للتطرف الفكري، وهذه نقطة يجب أن ننتبه إليها؛ أقصد ممارسة التيار الليبرالي «التكفير الفكري» للآخر والمطالبة بإقصائه وهو بذلك يرتدي نفس عباءة المتشدد الديني، لأني أعتقد أن الإسلامي لا يقابل الليبرالي، بل المتشدد الديني يقابل المتشدد العصري «الليبرالي».

في هذا الموسم رحلت وزارة وجاءت وزارة، وأصبحت القديمة تقابل الجديدة، رحلت وزارة لها سلبيات كما أن لها إيجابيات، وجاءت جديدة لها تطلعات وأحلام، ومازال الوقت مبكرا لتحديد قيمة تلك التطلعات وواقعية تلك الأحلام.

بدأ الموسم الثقافي بمؤتمر الأدباء وانتهى بلائحة الأندية الأدبية وإستراتيجية التنمية الثقافية، ولاشك أنهما يحتاجان من كل مثقف وقفة لتأملهما وكتابة تقرير تحليلي عن قيمتهما، ولعل الحديث عنهما افتتاحية مناسبة لكل مثقف بداية الموسم الثقافي القادم.

شهد هذا الموسم ولادة القناة الثقافية والتي أتمنى أن تتمكن من أن تصبح صوتا مميزا للثقافة السعودية ووسيلة إعلام جيدة لترويج مكتسبات السوق الثقافية السعودية.

في هذا الموسم غاب عن الساحة الثقافية أصوات ثقافية مميزة قدمت للفكر الثقافي العربي أشياء كثيرة، فرحم الله الجابري ونصر حامد أبو زيد والبنكي، ولا شك أن الشمس والقمر لا يغيبان لموت أحدا فالدورة الثقافية مستمرة.

وأخيرا...

قد نختلف مع الآخرين في أفكارهم ومواقفهم كمسؤولين ثقافيين وقد نقسو عليها لمصلحة المنجز الثقافي وتطور الثقافة السعودية وليس القصد الإساءة إلى شخصياتهم ومكانتهم الاجتماعية والثقافية، والاختلاف في الرأي يثري الساحة الثقافية ولا يفسد الود والتقدير لبعضنا البعض.

وكل موسم ثقافي والثقافة السعودية بخير وازدهار.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد