Al Jazirah NewsPaper Friday  16/07/2010 G Issue 13805
الجمعة 04 شعبان 1431   العدد  13805
 

الناقل الجوي وصناعة السياحة الوطنية: الإشكالية والمعالجة
د. عبد المجيد بن محمد الجلاَّل

 

مع إطلالة كل موسم صيف، تزدحم وسائل الإعلام المختلفة، بالعروض السياحية التي تقدمها مكاتب السفر والسياحة، تتركز جلها على برامج سياحية خارجية: عربية وعالمية.

ومع هذه الإطلالة يتجدد الحديث عن السياحة الداخلية أو الوطنية، وقدرتها على تحقيق وضعية تنافسية تسمح باستقطاب السائح السعودي والمقيم فضلاً عن مواطني الدول الأخرى.

من المعلوم أنَّ قطاع السياحة في المملكة يُعد من القطاعات الاقتصادية الواعدة، إذ لم يظهر الاهتمام به وفق قواعد منهجية، وخطط مدروسة، إلا منذ نحو عشر سنوات ونيف بُعيد إنشاء الهيئة العليا للسياحة في عام 1421هـ، والتي تمَّ تعديل اسمها إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار في عام 1429هـ بعد ضم قطاع الآثار والمتاحف إلى مهامها. وكان من أبرز أهدافها كما جاء في موقع الهيئة الإلكتروني (الاهتمام بالسياحة في المملكة، وذلك بتنظيمها وتنميتها وترويجها, وزيادة فرص الاستثمار وتنمية الإمكانات البشرية الوطنية وإيجاد فرص عمل جديدة للمواطن السعودي. والعمل على تعزيز دور قطاع السياحة، وتذليل عوائق نموه، باعتباره رافداً مهماً من روافد الاقتصاد الوطني، وذلك بما يتوافق مع مكانة المملكة وقيمها، والاهتمام بالآثار والمحافظة عليها، وتفعيل مساهمتها في التنمية الثقافية والاقتصادية، والعناية بالمتاحف، والرقي بالعمل الأثري في المملكة).

لقد كان اهتمام الدولة بهذا القطاع استجابة طبيعية لمقومات الجذب السياحي المتنوع في المملكة، من حيث المساحة الجغرافية الشاسعة ذات المناخ المتنوع، والمناظر الطبيعية، والشواطئ الجميلة، والمواقع الأثرية والتاريخية، فضلاً عن توفر جانبٍ مهمٍ من مشروعات المرافق والبنية التحتية اللازمة لنمو قطاع السياحة وتطويره.

خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة نسبياً، وعبر بوابة إستراتيجية تنمية السياحة الوطنية، وبرامج الشراكة المجتمعية، أنجزت الهيئة العامة للسياحة والآثار العديد من الجهود والمبادرات لتطوير منتجات هذه الصناعة الواعدة، ودعم بنيتها التحتية، ورفع مستويات كفاءتها الإدارية والتنظيمية والتشغيلية، وتهيئة الأجواء القانونية والتشريعية والبيئية الداعمة والجاذبة لمشاريع الاستثمار السياحي بصورة مستدامة.

من المؤكد أنَّ تنمية قطاع السياحة في المملكة، وتحويله إلى صناعة ذات قدرة تنافسية، وبيئة استثمارية نشطة، ووجهة مستدامة، يحتاج إلى المزيد من الجهد والعمل والوقت، مثل ما يحتاج إلى إرادة صُلبة، وإدارة فاعلة، ووعي مجتمعي متقدم.

معوقات السياحة الوطنية بوضعها الراهن متعددة ومتشابكة، ذات أبعاد هيكلية وخدمية ولوجستية. ولكن في تقديري تُعد إشكالية «الناقل الجوي» من أبرز معوقات تنمية وتطوير السياحة الوطنية. وتعظم هذه الإشكالية وتزداد حِدَّتُها حين يعاني منها بلدٌ مثل المملكة، بمساحتها الجغرافية الشاسعة، وبُعد المسافات بين مدنها ومحافظاتها، وقراها. وحين يكون الخيار الآخر « الناقل البري» صعباً وشاقاً في ظلِّ تدني مستوى منظومة التسهيلات الخدمية واللوجستية لبعض مسارات الطرق البرية بوجهاتها المتعددة، خاصَّة ذات المسافات الطويلة نسبياً. وتبدو هذه الصعوبة والمشقة ماثلة أكثر بالنسبة للعائلات والأطفال وكبار السِّن.

هذه الحيثيات تجعل من الناقل الجوي خياراً إستراتيجياً رئيساً يطوي المسافات، ويضفي على السفر والتنقل متعة أكثر، وراحة أكبر.

الناقل الجوي، بوضعه الراهن غير قادر على استيعاب حجم الطلب الكلي على مقاعده المتاحة حتى في الأحوال الاعتيادية، ناهيك عن مواسم الإجازات والعطلات. علماً أنَّ حجم هذا الطلب في نمو مُطِّرد، ففي تقرير إحصائي للحركة السياحية المتوقعة خلال فترة الصيف « الربع الثالث « لعام 2010م (1431هـ) توقع مركز المعلومات والأبحاث السياحية (ماس) التابع للهيئة العامة للسياحة والآثار بأن تشهد السياحة المحلية خلال فترة الصيف لهذا العام 2010م نموا مقداره (2%) مقارنة بصيف عام 2009م، وذلك نتيجة للجهود التي تبذلها الهيئة العامة للسياحة والآثار وشركاؤها في مجالس التنمية السياحية بمختلف مناطق المملكة، للترويج للسياحة الداخلية والتسويق لها؛ حيث يتوقع أن يتم تنفيذ ما يقارب (20) مهرجاناً خلال فترة الصيف في مناطق المملكة لهذا العام مما يسهم في تنشيط هذه الحركة، كما أن دخول شهر رمضان المبارك وإجازة عيد الفطر ضمن موسم الصيف لهذا العام تعد من العوامل المشجعة لزيادة الحركة السياحية المحلية هذا الصيف. وقد عمل مركز (ماس) منذ تأسيسه عام 2002م على قياس حجم الرحلات السياحية المحلية والوافدة والمغادرة من وإلى المملكة استنادا إلى توصيات المعايير الإحصائية الدولية الصادرة عن منظمة السياحة العالمية والمعتمدة من قبل المكتب الإحصائي للأمم المتحدة.

كل ذلك يدعو بشدة إلى النظر بجدية عالية في مسألة توسيع منظومة التشغيل والتوظيف في سوق الطيران الداخلي، بإفساح المجال لشركات الطيران الخليجية والعربية والأجنبية الراغبة في توسيع نطاق وجهاتها العالمية، للمشاركة في عمليات تشغيل خطوطه الداخلية المتعددة، عبر منظومة متكاملة من الشراكات والاتفاقيات التجارية، وإفساح المجال كذلك للقطاع الخاص الوطني والخليجي والأجنبي للدخول بقوة في مجال الاستثمار والتوظيف في هذا القطاع الاقتصادي والتجاري المهم بوفوراته الإنتاجية والاستثمارية العالية. ومن شأن ذلك كله أن يسهم في إيجاد أجواء تنافسية حقيقية تنعكس إيجاباً على نوعية المنتجات والخدمات والأسعار المقدمة لعموم المسافرين أو المتطلعين للسفر.

إننا بحاجةٍ إلى مبادرات رائدة تسمح بتحويل سوق الطيران الداخلي إلى وضعية تنافسية مُحفِّزة بمنظومة خدمية ذات معايير مهنية وتنظيمية عالية. فهذا هو المدخل الأساس لبناء وتنمية صناعة السياحة الوطنية. وهذا ما ينشده السائح السعودي على وجه الخصوص، ليخرج من مأزق الأرق والإحباط، الناتج عن الوضعية الراهنة في إدارة وتشغيل منظومة الطيران الداخلي.

كلمة أخيرة: إشكالية الناقل الجوي المحلي اكتسبت بُعداً عمومياً، يعاني من عثراتها وثغراتها أصحاب العمل والمهمات والمصالح، مثل ما يعاني السياح، وأضحت حديث المجالس بامتياز.

من مأثور الحِكم:

أُعَلِّلُ النَّفْسَ بالآمَالِ أَرْقُبُها

ما أَضْيَقَ الْعَيْشَ لَوْلاَ فُسْحَةُ الأَمَلِ

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد