Al Jazirah NewsPaper Friday  16/07/2010 G Issue 13805
الجمعة 04 شعبان 1431   العدد  13805
 
رجال صدقوا: أبو بكرة الثّقفيّ
د. محمد بن سعد الشويعر

 

أبو بكرة الثقفي، صحابي من خيار الصحابة وكلهم خيار، كان مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه: نفيع بن الحارث، وقيل نفيع بن مسروح، تدلّى في حصار الطائف ببكرة،

وفرّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم, كما قال ابن سعد في طبقاته وأسلم، على يد رسول الله، وأعلمه أنه عبد فأعتقه عليه الصلاة والسلام.

ولذا سمي بأبي بكرة. قال الإمام البخاري في حديث أبي عثمان النهدي: وكان تسوّر حصن الطائف في أناس، فجاء إلى النبي، صلى الله عليه وسلم وأسلم. قال ابن الأثير: وهو معدود في موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أبو بكرة يقول: أنا من إخوانكم في الدين، وأنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أبى الناس إلا أن ينسبوني، فأنا نفيع بن مسروح، وكان أولاده أشرافاً بالبصرة، بكثرة المال والعلم والولايات، كما جاء في أسد الغابة. اهتم بترجمة حياته، وتتبع سيرته، كثير من الباحثين، والمهتمين بسير الرجال، حتى أن الذهبي استخلص ما كتب عنه في موسوعته: سير أعلام النبلاء، في أكثر من عشر صفحات، مستقاة من مراجع عديدة، تزيد عن عشرين مصدراً، وقد اعتبره من فقهاء الصحابة، ومما أورده عنه من الفضل والمكانة، قوله: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم له جملة أحاديث، وحدث عنه بنوه الأربعة: عبيد الله وعبدالرحمن وعبدالعزيز ومسلم، وأبو عثمان النهدي والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعقبة بن صهبان، وربعي بن جراش والأحنف بن قيس, وغيرهم. سكن البصرة وكان من فقهاء الصحابة، ووفد على معاوية مع أمه سمية فهو أخو زياد بن أبيه لأمه، ومات في خلافة معاوية، ابن أبي سفيان بالبصرة سنة واحد وخمسين، وقيل سنة اثنتين وخمسين من الهجرة الشريفة، وصلى عليه أبو برزة الأسلمي الصحابي. أما ابن الأثير فقد قال في كتابه أسد الغابة: كان أبو بكرة من فضلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي شهد على المغيرة بن شعبة، فبتّ الشهادة وجلده عمر حد القذف، وأبطل شهادته، ثم قال له تب إلى الله لتقبل شهادتك. فقال: إنما أتوب لتكمل شهادتي؟ قال: نعم، قال: لا جرم لا أشهد بين اثنين أبداً. وإنّما جلده لأنه شهد هو واثنان معه، فبتوا الشهادة، وكان الرابع زياد، فاختلفت شهادته. وقد علل الذهبي رحمه الله عدم استجابته لعمر بالتوبة بقوله: كأنه يقول لم أقذف المنيرة، وإنما أنا شاهد، فجنح إلى الفرق بين القذف والشاهد، إذ نصاب الشهادة لو تم بالرابع، لتبين الرجم، ولما سموا قاذفين (سير أعلام النبلاء 7:3). ثم زاد ابن كثير، في نعت الصحابي فقال: كان كثير العبادة، حتى مات (أسد الغابة 6: 38)، كما قال: وكان من فضلاء الصحابة وصالحهم (أسد الغابة 5: 355). وقد رأى الزركلي في كتابه الأعلام: أن أبا بكرة روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مائة واثنين وثلاثين حديثاً (132) حديثاً وأنه ممن اعتزل الفتنة يوم الجمل، وأيام صفين (الأعلام 17:9)، وعنه ومكانته روى الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء، عن الحسن البصري أنه قال: ما نزل البصرة أفضل من أبي بكرة الثقفي، وعمران بن جعين (3: 10). وعن اعتزاله الفتنة، روي عن الأحنف قال: بايعت علياً رضي الله عنه، فرآني أبو بكرة وأنا متقلد سيفاً، فقال: ما هذا يا ابن أخي؟ قلت: بايعت علياً، قال: لا تفعل إنهم يقتتلون على الدنيا، وإنما أخذوها بدون مشورة. أما أبو عثمان النهدي: فقال: كنت خليلاً لأبي بكرة، فقال لي: أيرى الناس أني إنما عتبت على هؤلاء للدنيا، وقد استعملوا ابني عبيد الله على فارس، واستعملوا رواداً على دار الرزق، واستعملوا عبدالرحمن على بيت المال، أفليس في هؤلاء دنيا؟ إلى إنما عتبت عليهم لأنهم كفروا (سير أعلام النبلاء 3: 9). وقد حدث عنه الحسن البصري، فقال: قال أبو بكرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان فقتل أحدهما صاحبه، فالقاتل والمقتول في النار)، قال الخليل بن عمر العبدي: قلت: يا أبة هذا القاتل، فكيف المقتول؟ فقال سألت قتادة عما سألتني، فقال: كل واحد منهما يريد قتل صاحبه.. والخليل هذا هو الذي روى عن أبيه، عن قتادة عن الحسن (أسد الغابة).

وكان أبو بكرة، حسن التوكل على الله، يستمع النص الشرعي، فيطبقه عملاً، ويحرص عليه تتبعاً، فقد روى ابن علية بسنده قال: لما اشتكى أبو بكرة، عرض عليه بنوه أن يأتوه بطبيب، فأبى. فلما نزل به الموت قال: أين طبيبكم؟ ليردها إن كان صادقاً. أما ابنه عبدالعزيز فقد قال: إن أباه تزوج امرأة، فماتت فحال إخوتها بينه، وبين الصلاة عليها، فقال: أنا أحق بالصلاة عليها، قالوا: صدق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه دخل القبر، فدفعوه بعنف، فغشى عليه فحمل إلى أهله، فصرخ عليه من ابن وبنت، وأنا أصغرهم فأفاق، فقال: لا تصرخوا فوالله ما في نفس تخرج أحب إليّ من نفسي، ففزع القوم، وقالوا: لم يا أبانا؟ قال: إني أخشى أن أدرك زماناً لا أستطيع أن آمر بمعروف، ولا أنهى عن منكر، وما خير يؤمئذ.. كما روى عنه رضي الله عنه: أنه كتب وصيته قبل وفاته.

وفي مجال الورع والتقوى في الدين، جاء في معجم الطبراني، عن ابن مهدي بسنده، قال: جلب رجل خشباً، فطلبه زياد، فأبى أن يبيعه، فغصبه إياه، وبنى به سطراً لمسجد البصرة، قال: فلم يصل أبو بكرة، حتى قلعت تلك الأخشاب. (سير أعلام النبلاء 7:3). وقد اعتبره الكناني في كتابه: معجم فقه السلف، واحداً من فقهاء الصحابة، رضوان الله عليهم، وأورد له عدة مسائل منها مسائل تميز بها، وأبانت عن مكانته، ففي الصلاة خارج المسجد، مع إمام المسجد، كان لأبي بكرة رضي الله عنه، رأي برز، عندما رأى قوماً يصلون في رحبة المسجد يوم الجمعة، فقال: لا جمعة لم، فقال له عقبة بن صهبان: لم؟ قال: لأنهم يقدرون على أن يدخلوا فلا يدخلون. وبمثل هذا ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: من صلى بصلاة الإمام، وبينهما طريق، أو جدار أو نهر، فلا يأتم عليه، وسمع زرارة بن أوفى أبا هريرة رضي الله عنه يقول: لا جمعة لمن صلى في الرحبة. (معجم فقه السلف 2: 111). وحديث أبي بكرة رضي الله عنه، الذي رواه في عجلة المصلي، حتى يدرك المصلي للركعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زادك حرصاً ولا تعد. مشهور في كتب الفقه والحديث. وقد فسّرت الكلمة حسب النطق على وجوه: الوجه الأول: ولا تَعْدُ.. أي لا تسرع في خطاك من أجل إدراك الركعة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد قال في موطن آخر: (فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا). والوجه الثاني: ولا تُعِدْ: أي عليك أن تعتدّ بهذه الركعة، فلا تعيدها، أو تبنى على صلاتك كلها، لأنها صحيحة فلا تعيدها. والوجه الثالث: ولا تُعِدْ: يعني لا تُعِدْ لمثلها.

ولكل وجه من هذه الوجوه تعليل عند قائله.. وكان أبو بكر رضي الله عنه، يكره صيام رجب، ووافقه على هذا جماعة، وهذا يقتضي ولا بد، أنهم لا يجيزون صيام الدهر، وقد كان سعيد بن جبير، يكره صوم شهر تام غير رمضان، وقد بلغ عمر بن الخطاب: أن رجُلاً يصوم الدهر، فأتاه فعلاه بالدرّة، وجعل يقول: كل يا دهر كل يا دهر (معجم فقه السلف 3: 43). وفي شهادة المحدود: كان أبو بكر -رضي الله عنه، إذا أتاه رجل يشهده، قال له: أشهد غيري، فإن المسلمين قد فسقوني، لكن الكتاني: علق على هذا القول: بقوله لم يصح عنه (المعجم: 6: 344). قال هوذة: وحدثنا هشام عن الحسن، قال: مر بي أنس، وقد بعثه زياد بن أبيه، إلى أبي بكر يعاتبه، فانطلقت معه، فدخلنا عليه وهو مريض، وذكر له زياد، أنه استعمل أولاده: عبيد الله على فارس، واستعملوا روادا علي دار الرزق، واستعملوا عبدالرحمن على بيت المال: فقال: هل زاد على أن أدخلهم النار؟. قال: أنس: إني لا أعلمه إلا مجتهداً، قال: أهل حروراء - قال صاحب القاموس: وحروراء موضع على بعد ميلين من الكوفة اجتمع فيه الخوارج، الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، حين جرى أمر المحكّمين، فسموا حروريّة نسبة إلى هذا الموضع - وأهل حروراء اجتهدوا: أفأصابوا أم أخطأوا؟ قال: فرجعنا من عنده مخصومين (سير أعلام النبلاء 3: 9). وابن سعد في طبقاته، جاء بسيرة: أبي بكرة الثقفي أكثر من عشر مرات، منها غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم للطائف، وإسلام أبي بكرة مع مجموعة من غلمانهم، ودعا عليه الصلاة والسلام لثقيف، وأن طلحة رضي عنه مات فدفن على شطّ العلاء فرآه بعض أهله ألا تريحوني من هذا الماء ثلاثاً، فنبشوه من قبره أخضر فإذا ما يلي الأرض من لحيته ووجهه قد أكلته الأرض فاشتروا داراً من دور أبي بكرة فدفنوه فيه (طبقات ابن سعد 3: 224).



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد