Al Jazirah NewsPaper Friday  16/07/2010 G Issue 13805
الجمعة 04 شعبان 1431   العدد  13805
 
شذرات اقتصادية
توطين الوظائف المدخل الرئيس لمواجهة البطالة
د. عبد العزيز إسماعيل داغستاني

 

تُعَدُّ قضية توطين الوظائف، أو ما يعرف بالسعودة، أحد القضايا الشائكة التي يعيشها المجتمع السعودي منذ إفرازات ما يعرف بالطفرة الاقتصادية الأولى التي مرت بالاقتصاد السعودي في حقبة السبعينيات الميلادية من القرن العشرين، والتي فتحت الباب على مصراعيه لاستخدام العمالة الأجنبية، حتى تجاوز عددها الآن سبعة ملايين شخص، ناهيك عن أعداد العمالة الأجنبية غير النظامية التي تقييم بالبلاد، خاصة من متخلفي العمرة والحج، وبشكل أخص في المنطقة الغربية، وهي أعداد لا يستهان بها، وتمثل جزءاً مهماً من عرض العمالة في الاقتصاد، خصوصاً العمالة المنزلية، وربما قطاعات حيوية، مثل الإنشاءات.

ومن أهم إشكالات قضية السعودة، أنها تثير العديد من التساؤلات المحيِّرة. كيف يصعب توظيف المواطن السعودي في اقتصاد يوظف أكثر من سبعة ملايين أجنبي؟ ولماذا يظل باب استقدام العمالة مشرعاً في الوقت الذي لا يجد فيه المواطن فرصاً للعمل؟ هل لا يمتلك هذا المواطن السعودي درجة الكفاءة والتأهيل التي يمتلكها العامل الأجنبي؟ ومن المسئول عن هذا الوضع؟ على أي جهة، أو جهات، تقع مسئولية توظيف السعوديين؟ ولمن يوجه أصبع الاتهام في الإخفاق في سعودة الوظائف؟ هل هي مسؤولية القطاع العام أم القطاع الخاص؟ ولماذا هذا التناقض في سوق العمل؟ هذه التساؤلات تجسِّد حجم المشكلة، وتضع الإطار الموضوعي الذي يجب أن تكون المواجهة في سياقها، إذ لا يمكن استمرار هذه القضية، التي لم تعد تقتصر آثارها السلبية على الصعيد الاقتصادي فحسب. والإجابة على هذه التساؤلات ليست مهمة فردية، بل تحتاج إلى رؤية إستراتيجية وخطة عملية تتجاوز القرارات الإدارية التي لا تقوم على هذه الحاجة العلمية. نحن نفشل في معالجة كثير من قضايا المجتمع، لأننا نلجأ، في الغالب إلى الحلول الفردية.

الأرقام الرسمية الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات عن نسبة البطالة في الاقتصاد السعودي، على الرغم مما يثار حولها من ملاحظات وانتقادات، تظل في حد ذاتها تعكس مشكلة حقيقية لا يمكن إغفالها. ووفقاً للأرقام الرسمية المعلنة، فإن عدد العاطلين عن العمل بلغ 448.547 شخصاً في عام 2009م. مقارنة بعدد 416.350 شخصاً في عام 2008م.

وفي مقابل هذه الأرقام، قال المشرف على الإعلام في ديوان المظالم، على سبيل المثال، ووفقاً لما نشرته جريدة « عكاظ « في عددها الصادر يوم الأربعاء 30 يونية 2010 م الماضي، أن عدد المتقدمين للوظائف الشاغرة بالديوان، وعددها 930 وظيفة، على المرتبتين الرابعة و السادسة، بلغ في اليوم الأول للتقديم 330 ألف متقدم، منهم 46 ألف طلب مكتملة البيانات. عندما قرأت هذا الخبر شعرت بالحزن والأسى والأسف، هل يُعقل أن يصل عدد الباحثين عن وظائف، وفي المرتبتين الرابعة و السادسة، وفي جهة حكومية واحدة، إلى هذا العدد المخيف؟ ويؤكد الخبر، على أقل تقدير، أن 46 ألفاً من المتقدمين جادون في البحث عن العمل، لأنهم أكملوا ملفاتهم وقدموا بياناتهم بشكل كامل. عندما قرأت هذا الخبر، أدركت أننا أمام مشكلة بطالة حقيقية، وليست بطالة هيكلية، أو سمّها ما شئت، كما يحلو لعدد غير قليل من المسؤولين تبرير الواقع، والتنصل من المسؤولية، وتجميل الواقع أمام ولاة الأمر أو الرأي العام. هذا الخبر يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المسؤولين عن توظيف الشباب السعودي، بصرف النظر عن مواقعهم الوظيفية في القطاعين العام والخاص، قد فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق هذا المطلب، الذي لم يعد مطلباً اقتصادياً فحسب، بل أصبح مطلباً فكرياً وأمنياً واجتماعياً. هذا بالإضافة إلى أن هذا العدد المخيف تقدّم لجهة حكومية واحدة، بواقع 330 ألف طلب، في اليوم الأول فقط من التقديم، لعدد 930 وظيفة، فما بالك بالعدد النهائي للمتقدمين عند انتهاء مدة التقديم؟ هذا العدد المخيف يكشف الأرقام الرسمية المعلنة عن نسبة البطالة في الاقتصاد السعودي، ويضع أمامها أكثر من علامة استفهام تتراقص خلفها أكثر من علامة تعجب، ويؤكد أن هناك خللاً اقتصادياً حقيقياً، وأننا نحتاج إلى مراجعة كيفية إعداد وتبويب البيانات والإحصاءات التي تقوم عليها هذه الأرقام، والعمل على أن تكون ممثلة للواقع، لأن البيانات والإحصاءات الأساسية يفترض أن تكون الأساس لرسم إستراتيجيات التوظيف. وإذا كانت البيانات والإحصاءات رديئة فإن نتائج الدراسات والأبحاث التي تبنى على أساسها تلك الإستراتيجيات تكون رديئة، بالضرورة. وأعتقد أن ما جاء في الخبر يستحق وقفة مسؤولة من الجهات المعنية بالدولة بهذا الأمر، وخاصة وزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل والمجلس الاقتصادي الأعلى، بالإضافة إلى فعاليات القطاع الخاص المؤثرة في الساحة الاقتصادية، إذ لا يمكن القبول بوضع أصبحت فيه البطالة هاجس المجتمع، وأصبح هناك شاب أو شابة عاطلة قي كل منزل، خاصة وأننا نمر بمرحلة تنموية نوعية، ولعلنا نبدأ بخطة إستراتيجية يتم تنفيذها وفق جدول زمني محدد تهدف إلى تفعيل برامج السعودة، فهي المدخل الرئيس لمواجهة البطالة.

رئيس (دار الدراسات الاقتصادية) - رئيس تحرير مجلة (عالم الاقتصاد) – الرياض




 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد