Al Jazirah NewsPaper Sunday  18/07/2010 G Issue 13807
الأحد 06 شعبان 1431   العدد  13807
 

دفق قلم
أرهقنا أبي بدين الاصطياف
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

عرَّفني بنفسه قائلا: أحمل شهادة (بكالوريوس) من جامعة الملك سعود، وأعمل موظفاً في إحدى الدوائر الحكومية، مقدار راتبي الشهري لا يتجاوز ستة آلاف ريال، يذهب معظمها أقساطاً شهرية لإحدى شركات التقسيط، فما يبقى لي منها إلا ما يقارب ألفاً ومائتي ريال، تذوب في بحر الغلاء كما يذوب الملح في الماء، أما سبب كثرة الأقساط التي أقوم بسدادها، فهو أبي (عفا الله عنه) الذي أدمن السفر صيف كل عام إلى أوروبا وأمريكا إدماناً لا أدري كيف يشفى منه.

كان أبي تاجراً ناجحاً، وكان له من المال ما يغنيه عني وعن إخوتي وأخواتي، وكان يشرق ويغرب في أسفاره بحجة التجارة، ثم انكسرت تجارته بعد أن اجتاحه طوفان (الأسهم) وألقى به على شاطئ الخسارة الكبيرة، فأصبحت تجارته أثراً بعد عين، وهنا بدأت مشكلتنا معه، فهو لم يقلع عن أسفاره التي اعتاد عليها، ولم يرحم رواتبنا التي لا تكاد تكفي لسد حاجاتنا من ضروريات الحياة، فضلاً عن كمالياتها، ولم يتجاسر على العمل بعد انكساره لأن صدمة الخسارة كانت كبيرة.

أصبح يطالبنا حينما تلوح بوادر الصيف بمال يسافر به إلى الخارج ويحدث في أجواء عائلتنا من الضغط النفسي ما تكاد تنفجر له قلوبنا ونحن حريصون على رضاه، لا نستطيع مقاومة سيطرة أبوته علينا، لقد صبرنا أربع سنوات على هجمات الصيف المرعبة، فصيفنا كل عام حر شديد لا نملك من المال ما يمكننا من الهروب منه إلى مناطق بلادنا الباردة، وضنك مادي شديد بسبب إصرار أبي على توفير المال ليقضي شهراً من الصيف خارج البلاد.

لست وحدي في هذه المعاناة فلي أخوان وأختان يشاركونني هذه المشكلة، بل إنني أعرف من أقاربنا وبعض جيراننا من يعاني من عقدة السفر إلى الخارج صيفاً، وبعضهم لم يؤد فريضة الحج، بحجة أنها لا تجب على أصحاب الدَّين، وكأني بها مشكلة تعاني منها كثير من الأسر السعودية المبتلاة بالسفر إلى الخارج مع عدم القدرة المادية، وقد ناقشت أبي وبعض من هم على شاكلته في أوقات هادئة، فما وجدت إلا إصراراً على ذلك، علماً بأنهم لا يضيفون شيئاً جديداً إلى حياتهم، أو ثقافتهم، وإنما يكررون نمطاً واحداً في طريقة قضائهم للصيف خارج البلاد.

قلت له: وماذا تريد مني؟ هل تريد أن أتحدث مع والدك في الأمر؟ قال: كلا، فما جئت لهذا، وإنما أردت أن أبوح لك بما في صدري، وأقدم لك مشكلة اجتماعية حقيقية لعلك أنت ومن يكتب في الصحف، ويشارك في البرامج الإعلامية تطرحونها، وتوجهون رسائل واضحة لمن يعانون من مرض (الاصطياف خارج البلاد) فوالله إنه مرض خطير، بل هو شبيه بالإدمان على المخدرات، وقد أدركت ذلك من أبي - حفظه الله وهداه - فما يكاد يرى شهور الصيف تقترب حتى يضطرب، ويبدأ يتجهز متضايقاً، قلقاً، مستقلاً وقت الانتظار، ملحاً علينا في طلب ما يحتاج من المال.

صورة من صور الحياة نقلها إليَّ ذلك الشاب، أنقلها لكم هنا لعلنا نقدم شيئاً ينفع أصحاب المعاناة الذين يتحملون من الدِّين ما يثقل كواهلهم، وما يحول بينهم وبين الاستمتاع بشيء من الترويح عن النفس.

ونوجه إلى والد هذا الشاب وإلى كل من يستدين المال من أجل السفر إلى الخارج للاصطياف، رسالة مفعمة بحب الخير لهم نضمنها دعوة صادقة أن يراجعوا أنفسهم، ويتقوا الله عز وجل في أولادهم، وأهلهم، ويرحموا أسرهم من هذا الضغط النفسي الهائل الذي يحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق.

إشارة:

أخيال ما أرى من حال قومي

في زماني ليته كان خيالاً

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد