Al Jazirah NewsPaper Sunday  18/07/2010 G Issue 13807
الأحد 06 شعبان 1431   العدد  13807
 
دراجة نارية
شريف الأتربي

 

تسللت نسمات الفجر العليل إلى مخدعها فأحست ببرودة تسري في أعماقها وأوجاع الحمل تقلق منامها، كانت في أيام حملها الأخيرة وهي صعبة على من كانت تعيش هذه اللحظات لأول مرة، أخبرتها طبيبتها أن موعد الوضع صار قريباً، بل قريباً جداً بين ساعات يوم واحد اشتدت آلامها فنادت على زوجها بصوت ملؤه الفرح والألم، أخبرته أنها تضع حملها، هب مسرعاً، فقط كان يريد الذهاب بها إلى المشفى ليرى مولوده الذي اشتاق إليه بعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على زفافهما طافا خلالها على كل الأطباء والمراكز العلاجية بل والدجالين بحثاً عن طفل يؤنس وحدتهما ويكون لهما معيناً في الكبر، سمع بكاء الصغير سجد لله شاكراً داعياً أن يحفظه الله من كل مكروه، أحست أنها أصبحت أنثى مكتملة الأنوثة بهذا المولود سمياه أحمد كما كانا متفقين قبل الزواج تيمناً بوالد كل منهما، أحاطاه بكل رعاية وعناية لم يسمحا لأحد غيرهما بالمشاركة في تربيته، كانا يخافان عليه من نسمات الهواء، ولم يظهر أحدهما للآخر هذا الشعور، جلبا له ما تمنى وما لم يتمن، لم يبخلا عليه بشيء ولم يتهاونا في تعليمه مبادئ الدين وآداب الدنيا. وحين بلغ سن المدرسة كانا يصحبانه ذهاباً وعودة، وحين التحق بالمرحلة الثانوية أحضرا له سائقاً خاصاً لمرافقته حتى لا يشعر بالحرج أمام زملائه، كانت تحذره دائماً من عبور الشارع ومن راكبي الدراجات النارية خاصة فهم متهورون وقد أصيب أكثر من فرد في عائلتها نتيجة هذا التهور، كان يقول لها لا تخافين يا أمي الأعمار بيد الله، وسجل في الجامعة واستمر في تفوقه وبره بوالديه، تمنته كل بنات العائلة زوجاً لهن وحاولت أكثر من أم أن تلمح لأمه بهذه الرغبة ولكنها كانت ترفض الحديث في هذا الأمر تاركة له حرية الاختيار الذي وقع على بنت الجيران التي لا تختلف عنه في الأدب والتربية، حددا معاً موعد الزفاف في يوم ميلاده الخامس والعشرين، أحست أمه بانقباض في قلبها لا تعرف له سبباً ورأت نفس الشعور يخالج قسمات وجه أبيه، خافت من سماع صوت السيارات المسرعة في الشارع ومن أي توقف مفاجئ لأي واحدة منها، كلما دق جرس الهاتف أو قرع أحد الباب هبت فزعة، ومع اقتراب موعد وصوله راجعت كل متطلبات الحفل وفي أثناء مراجعتها لحقيبة ملابسه سمعت صوت ارتطام في الشارع جرت إلى النافذة رأته ممدداً على الأرض وقد سالت دماؤه من صدمة الدراجة النارية له، لم تتحمل سقطت مغشياً عليها ولم تعد لوعيها حتى الآن.

- مدارس الرياض للبنين والبنات


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد