Al Jazirah NewsPaper Wednesday  21/07/2010 G Issue 13810
الاربعاء 09 شعبان 1431   العدد  13810
 
كعادتي..
علي أحمد عبدالله السيود

 

كعادتي.. أحب الصباح الباكر المليء بالحيوية والنشاط.. أحب أن أذهب إلى عملي مشياً على الأقدام أتنفس هواءً جديداً عالياً نظيفاً.. أحمل في يدي وجبة الإفطار المكونة من قطعتي خبز محشوة بالجبن والبيض وغيرهما.. ملفوفة في كيس إم تي إن الأصفر..

وبينما كنت ماشياً بالطريق إذ استوقفتني عجوز تبدو في عامها السبعين.. تمشي بخطوات متثاقلة اقتربت منها لأرى وجهها الذي ملأته التجاعيد وارتسمت عليه ملامح الشفقة والرحمة.. نظرت إلى عينيها المرهقتين وحييتها بابتسامة ورضا قائلاً: تفضلي يا والدة ممكن أخدمك بشيء؟

نظرت إليّ بعينين زائغتين وقالت بصوت خافت: إنني جائعة من أمس!! ممكن تشتري لي فطور؟؟.. اخترقت كلماتها قلبي وانكمشت للحظه أتخيل لو أنها أمي وقلت على الفور: ها هو الفطور معي يا والدة.. وأخرجت قطعتي السندوتشات التي جهزتها لي زوجتي وناولتها إياها وكلي سعادة ورضا.. سكتت برهة ثم سألت قائلة: أأنت موظف؟

قلت: (نعم يا..) لم تدعني أكمل كلامي حتى قطعت حروفي بقسوة حين قالت.. آسف يا بني لن آكل فطورك؟؟!!

ابتلعت جوابها بمرارة وشعرت بحرقة وألم في صدري كيف ترفضه من أجلي وهي بأمس الحاجة إليه؟؟

كانت مصممة بطريقة قوية ولكنني كنت أكثر تسامياً إذ إني لا أستطيع التغاضي عنها وتركها تتضور جوعاً..

ومع إلحاحي الشديد قررت أن تأخذ قطعة وتترك الأخرى لكي أفطر بها..

لم أقبل أيضاً بأنصاف الحلول ولم أعجز عن إقناعها في أن تقبله وتسد به جوعها.. توسلت إليها بأن تقبله مني كما لو أنني الآن ابنها.. فابتسمت بوجهها الوقور وقبلته وهي تجزل بالدعاء لي ولأهلي..

كنت في غاية السعادة وأنا ألمحها تأكل وتحمد الله على هذه النعمة.. واقتنصت دمعة تلألأت في عيني مسحتها بسرعة خشية ان تلمحها هذه المسكينة فتأخذ في نفسها..

وقبل أن أغادر تنهدت وقلت بابتسامة (هل ينقصك شيء يا أمي؟؟) فشكرتني قائلة: جزاك الله ألف خير يا بني ربنا يفتح عليك ويرزقك.. ثم مددت يدي إلى جيبي لأخرج ما قسمه الله لها مني في هذا اليوم وناولتها إياه ثم أشحت بوجهي بعيداً وتابعت طريقي إلى العمل وأنا أغالب دموعي وأسمع دعواتها تتهادى خلفي وأنا أقول: آمين.. اللهم آمين..

وبمجرد أن مشيت قليلاً حتى أحسست بسعادة ورضى كبيرين غمرا قلبي.. وأدركت أنني كنت أحتاج الى أجواء كهذه لأشعر بالسعادة التي لطالما افتقدتها.. فما أجمل ان تداوي الجروح النازفة هنا وهناك وتمسح الدموع.. تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال (وإن أحب الأعمال الى الله سرور تدخله على مؤمن.. تكشف عنه كرباً.. أو تقضي عنه ديناً.. أو تطرد عنه جوعاًً).

أخيراً أقول.. هناك الكثير ممن حولنا نشاهدهم كل يوم يذكروننا بأننا كم نحن محظوظون جداً مع والدينا وأهالينا وأحبابنا.. وبأن هناك نعماً كثيرة منّ الله بها علينا دون أن ندرك أنها نعم من الله لأننا لم نجرب أن نعيش من دونها يوماً واحداً.





 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد