Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/07/2010 G Issue 13814
الأحد 13 شعبان 1431   العدد  13814
 
أوتار
الثقافة أمام المجتمع
د. موسى بن عيسى العويس

 

المعنى التقليدي أو الشائع أن الثقافة هي (الأخذ من كل فن أو علم بطرف)، وتأسيساً على هذا المفهوم وانطلاقاً منه تغلغل المثقف أيّا كان جنسه وعرقه ومنتماه في كل صغيرة وكبيرة، وفي كل شأن وقضية من قضايا الحياة، بل ربما طلب منه ما لا يستطيع بشر الإحاطة بجميع أطرافه. المهم في هذا الموضوع الخطير ألا نعتقد اعتقادا جازما أن أدوارهم في الحياة والمجتمع تسير نحو الإيجاب، أو لم يشبها سلبيات غيّرت مفاهيم كثيرة، وأحدثت انقلابات خطيرة في المجتمع البشري، وقادت بعض الأقطاب أو الأقاليم أو الأمم إلى ما لا تحمد عقباه من شائن السلوك، من هنا تفاوتت النظرة لهذه الفئة في كل الثقافات ولدى سائر الحضارات.

* في كتاب (شيء من الفكر) للأستاذ (عبدالله مناع) اقتطاف رائع واختيار موفق من الأقوال المشهورة عن هذه الفئة، فاليابانيون يقولون: (إن المثقفين.. شرٌّ لا بدّ منه)، والأمريكيون يستريبون منهم، لكنهم يؤمنون بأن (تقدم العلم سيفضي إلى إسقاط دورهم، وزوال هيمنتهم، وستنطوي الحاجة إليهم أمام براعة الأجيال المتخصصة تخصصات جزئية ذات صرامة علمية.. وسيستريح العالم من دس أنوفهم في كل شيء..). أما الأكثر حدةً وامتعاضا منهم فهم (الألمان)، يقول (جوبلز) (عندما أسمع كلمة ثقافة.. أضع يدي على مسدسي). أما عند العرب فيمثلهم من المعاصرين في الرأي (زكي نجيب) حين يقول: (لا رجاء لنا في إعادة تشكيل الحياة من جذورها إلا أن يكون ذلك على أيدي المثقفين)، وفيما يبدو لي أن هوية المثقف وتصنيفها يتفاوت تقديرهما ما بين حضارة وأخرى، أو احترامه لذاته ومجاله. وربما كان العرب إبان ازدهار حضارتهم وأوج قوتهم أكثر الناس تسامحا وتقبلا وتفاعلا مع غيرهم مع كل من يزعم، أو يدعي، أو يدس أنفه مع هذه الفصيلة. هذا الانفتاح، أو الاستيعاب عندنا من الصعب أن نحكم عليه سلبا أو إيجابا؛ فالتقييم يستدعي إحاطة شاملة بجميع المؤثرات والمتغيرات، على أنه من الواضح عندنا ضعف الاحتراف في تخصص المثقف، وأخشى أن يكون من أسباب ذلك غياب الرؤية التي يفترض أن تكون متكاملة عند من يستشرف المستقبل من قادة الفكر وصانعي التوجهات.

* أسوأ ما تعيشه هذه الحقبة من الزمن في العالم العربي يكمن في نظر (المناع) في تراجع دور المثقفين الشرفاء عن أدوارهم الباعثة والملهمة.. هذا التراجع الملموس كان ممهدا لظهور هذه الطبقة السميكة من المثقفين النفعيين المحشوة (الجيوب)، و(الأفواه)، و(البطون).. المعروفين بكذبهم، ونفاقهم، وتضليلهم واختلافاتهم، وخداعهم للأمة، والتغرير بشعوبها.. إنها مأساة أن تصبح (القدرة) قدراً.

* أما أسوأ من هذا كله - في نظري - حين تنجر خلف هذه الفئة من المثقفين بعض الفئات المحسوبة على المؤسسات الدينية، والمتقمّصة لمظاهرها وسلوكها، وتنضم إلى قافلة (التجار) من على المنابر، وفي المهرجانات، وفي القنوات، تظهر حيناً بزي المفتي، وحينا آخر بزي الفقيه، ولا تتورع عند الحاجة أن ترتدي من الأقنعة ما يجر إلى منفعة لها، بأي طريقة، وبأي أسلوب، والضحية هي جيوب وعقول الشرفاء من بسطاء الناس، فلنتق الله في هذه الفئات، ولنبتعد عن العبارة التي سوف تصلني (هذا من فقه الواقع إن كنت لا تفقه)، فإياك والخوض فيه، حينها لن أجد إلا الاستسلام، مفوضا أمري إلى الله.



dr_alawees@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد