Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/07/2010 G Issue 13814
الأحد 13 شعبان 1431   العدد  13814
 
الحياة وفقاً للأرقام
استير دايسون*

 

في الأسبوع الماضي عَلِمتُ أنني لستُ مصابة بالسرطان. فقد اتصل بي طبيبي وقال: «لديّ بعض الأنباء الطيبة». ومن حسن الحظ أننا كنا في ذلك الوقت في وسط تدريب على التعامل مع الحريق في مكتبي، لذا فلم يلحظ أحد دموع الارتياح التي ذرفتها.كنتُ قبل أسبوعين تقريباً قد انتبهتُ إلى وجود تورم بينما كنتُ أشارك في مؤتمر في جنوب إفريقيا. وعلى هذا فقد بَكَّرتُ بالعودة إلى الديار لإجراء فحص لنسيج التورم، ولكن مختبر علم الأمراض كان بطيئاً إلى حد مزعج للغاية؛ ومرت الأيام من دون أي اتصال لاطلاعي على النتيجة. ومن الواضح أنهم كانوا يبذلون قصارى جهدهم للتعرف على مدى سوء حالتي بالضبط. والواقع أنهم كانوا حريصين كل الحرص على عدم تفويت أي دلالة قبل أن ينتهوا إلى أن الورم كان نادراً ولكنه من نوع حميد.كنتُ أعد نفسي لاستقبال التشخيص لأكثر من أسبوع... بل لعدة أعوام على نحو ما، منذ حولتُ تركيزي من الاستثمار في «كل ما يتصل بالإنترنت» إلى الاستثمار في كل ما يتعلق بالصحة. ولقد تبَيَّن لي أن فهم الصحة - وتعزيزها - يشكل تطبيقاً عظيماً لتكنولوجيا المعلومات. ذلك أن الصحة أصبحت تشتمل بشكل متزايد على الأرقام. وكثير من هذه الأرقام ليس مجرد احتمالات طبية؛ بل إنها تتعلق بخيارات الحياة اليومية التي يمكنك أن تتخذها قبل أن يصيبك المرض (أو قبل أن يهددك المرض، كما كانت الحال بالنسبة لي).

قبل أن أعلم أن هذه المرة سوف تمر بسلام، كنت قد بدأت بالفعل في التفكير جدياً في الخيارات المتاحة أمامي. إنني لستُ عُرضة بشكل خاص للإصابة بسرطان الثدي - حيث يخلو تاريخ عائلتي من الإصابة بهذا النوع من السرطان ولا توجد دلالات جينية معروفة تشير إلى احتمالات إصابتي به. ولكن هذا يصدق على العديد من كل أولئك النساء (واحدة من كل ثمان) اللاتي يصبن بسرطان الثدي في مرحلة ما من حياتهن في الولايات المتحدة. وبما أنني أكاد أكون في الستين من عمري، فقد لا يكون مثل هذا المرض مهدداً للحياة (أكثر من كوني في الستين في حد ذاته). فحتى من دون الإصابة بالسرطان، لم يتبق من عمري سوى ثلاثين إلى أربعين عاماً على الأكثر لو حالفني الحظ.

لو كنت أماً شابة، فما كنت لأبخل بأي شيء تقريباً في مقابل الحصول على الفرصة لرؤية أولادي وهم يكبرون، ولكن ما دمت أكبر سناً فأنا أكثر اهتماماً بنوعية الحياة من اهتمامي بطول أمدها. وبطبيعة الحال، إذا كان السرطان عنيفاً، فإن هذا يعني أنني سوف أضطر إلى تعاطي المزيد من العلاجات لمجرد البقاء على قيد الحياة. أما إذا كان السرطان من نوع بطيء النمو، فإنني كنت لأقرر استئصال الورم في إطار الإجراء الطبي الذي يطلق عليه «الانتظار اليقظ».

ولعل أهم ما يتعين علينا أن نفهمه في هذا السياق هو الإحصائيات - سواء فيما يتصل بالسرطان أو الصحة عموماً. وفي مثل حالتي فإن الأمر قد يكون كالتالي: إذا افترضنا أن احتمالات بقائك تبلغ 70% (استناداً إلى احتمالات عدم تكرار ظهور الورم لمدة خمسة أعوام) بعد استئصال الورم ببساطة، فإن العلاج الإشعاعي أو الكيميائي من الممكن أن يقلل فرص تكرار ظهور الورم بنسبة 30% أخرى. والواقع أن هذه النسبة تبدو جيدة للغاية، إلى أن تدرك أنها تعني أن احتمالات «بقائك لم ترتفع إلا بمقدار تسع نقاط، من 70% إلى 79%، وذلك لأن احتمالات تكرار ظهور الورم بنسبة 30% تؤدي إلى هبوط فرص البقاء الإضافية من 30% إلى 21%.

وهذه ليست بالزيادة الكبيرة في الاحتمالات، إذا ما علمنا أن علاجات أفضل ربما تصبح متاحة حين يتكرر ظهور السرطان، وأن تكاليف العلاج - من حيث الوقت، والآلام، والآثار الجانبية مثل مرض القلب وضعف الإدراك («الدماغ الكيماوي»)، فضلاً عن المال، أصبحت أعلى.

ولكن تُرى هل كنت لأقبل تحمل ثلاثة أعوام من العلاج العنيف والآثار الجانبية الطويلة الأمد في مقابل زيادة لا تتجاوز عشر نقاط في احتمالات البقاء على قيد الحياة وابتعاد شبح الإصابة بالسرطان لمدة خمسة أعوام، خاصة وأن لا أحد يدري شيئاً عن احتمالات تكرار ظهور السرطان بعد عشرة أو عشرين عاماً؟ وفي الوقت عينه، قد تظهر بعد خمسة أعوام من الآن عقاقير جديدة أكثر فعالية وأقل سُمية، الأمر الذي يعني تخفيف الجانب السلبي في حالة تكرر ظهور المرض في وقت لاحق.

قد تكون هذه الأرقام محيرة، ولكنها مفيدة إذا تفهمناها. إن الجميع تقريباً يواجهون عند نقطة ما من حياتهم ضرورة اتخاذ قرارات بشأن العلاج والآثار الجانبية، سواء فيما يخصهم أو فيما يخص ذويهم.

بل وقد تكون في مواجهة مثل هذه الاختيارات في الوقت الراهن - إن كنت منتبهاً إليها. والواقع أن عدداً ضخماً من الحالات المؤلمة والخطيرة تصبح أكثر ترجيحاً إذا كان وزنك زائداً عن الطبيعي، أو كنت مقلاً في ممارسة التمارين الرياضية، أو كنت سكيراً أو وحيداً أو مُجهَدا. وحتى لو لم تكن كل ذلك وأصبت بمثل هذا المرض رغم ذلك، فسوف تكون أفضل قدرة على التأقلم وتحمل العلاج إذا كانت صحتك جيدة.

ولعل القيمة الرئيسة للخدمات التي تقدمها شركات مثل 23andMe (على الأقل إلى أن يستخدم الباحثون وغيرهم البيانات التي تقدمها لكي يتعلموا المزيد عن علم الجينات) لا تكمن في التفاصيل الجينية المحددة، بل في الطريقة التي تدفعنا بها إلى التركيز على الأرقام. وسواء كنا نختار ماذا نتناول من طعام أو كم التمارين الرياضية الذي يتعين علينا أن نمارسه، أو كنا نحاول تقييم فرصنا فيما يتصل بحالة محددة، فإن الأرقام تجعل الأمر يبدو حقيقياً وفورياً.

على سبيل المثال، سوف نجد أن تجاهل التحذير المبهم من الإصابة بمرض السكري أسهل كثيراً من تجاهل التحذير من خطر إصابتك بالمرض بنسبة 22% (كما هي حالي، وهي نسبة أعلى قليلاً من الطبيعي)، ولكنك قد تكون قادراً على خفض هذه النسبة بشكل ملموس (كما فعلت أنا) من خلال تناول الطعام المناسب، وممارسة التمارين الرياضية، وما إلى ذلك.

ورغم ذلك فإن العديد من الناس يخشون الاطلاع على هذه الأرقام؛ وهم لا يدركون أنها تعمل كدليل مرشد لهم، وأنها قابلة للتغيير وليست قدراً لا يمكن تغييره. وكما قد يتمكن الطالب من تحسين درجاته من خلال الدراسة، أو كما قد يتمكن الرياضي من تحسين أدائه بالتمرين، فأنت أيضاً قادر على تغيير العديد من الأرقام التي ترسم آفاق صحتك.

*رئيسة شركة EDventure القابضة، وهي من المستثمرين الناشطين في مجموعة متنوعة من المشروعات الناشئة في مختلف أنحاء العالم. ومن بين اهتماماتها تكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية والطيران الخاص والسفر إلى الفضاء.
خاص بالـ الجزيرة : www.project-syndicate.org


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد