Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/07/2010 G Issue 13814
الأحد 13 شعبان 1431   العدد  13814
 
ورحل.. الطيب
خالد عبدالعزيز الحمادا

 

كنت في سفر، حزمت أمتعتي، وشددت أشرعتي، ورحت أجوب أرض الله الواسعة.. أغلقت قلمي وأوكأت دواتي، وأبعدت أوراقي.. أخذت نفساً عميقاً، أردت أن أسترخي قليلاً، تخففت من المتابعة ومطالعة الصحف.. وعندما تصفحت جريدة الجزيرة وقرأت مقالة رئيس التحرير أبي بشار علمت بفقد ورحيل هذا الرجل الطيب.. عبد الهادي الطيب، حقيقة فاجأني الخبر، وآلمني النبأ، وهو لا يريد منا سوى الدعاء، فنسأل الله أن يغفر له وأن يرحمه وأن يسكنه الفردوس الأعلى، وأن يرزق ذويه الصبر والسلوان، هكذا الحياة وهذه هي الدنيا، صحة ومرض، حياة وموت، تقلبات وتغيّرات، فكلنا في كبد، الكل يغدو، والسعيد من استغل وقته واستثمر يومه ودقائقه بالجد والعمل وتقديم وبذل الخير، وأن يقدم صدقة وعملاً صالحاً حتى تصلح دنياه وآخرته {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.

ورحل الطيب، ولا أدري كيف أكتب عنه، وبأي حرف أبدأ، فالرجل لا أعرفه، ولم أره في حياتي أبداً، لم أتشرف بجلسة واحدة معه، مع أنه كان يدعوني بأن أزوره في مكتبه، لكنني حاورته كثيراً، وتواصلت معه طويلاً، ناقشته وعاتبته عن تأخر نشر مقالاتي، وقد وجدته طيب النفس، كريم الخلق، حسن التعامل، لا يغضب ولا ينزعج من كثرة المتصلين والمعاتبين، عبد الهادي.. هادي في طباعه، هادي في تعامله، سكينة وطمأنينة وهدوء، فله من اسمه نصيب وافر، وحسن الخلق من أفضل الأعمال عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: التقوى وحسن الخلق، وما ثقلت موازين العبد بمثل حسن الخلق، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه، وأحب الناس إلى الرسول وأقربهم مجلساً يوم القيامة وأحسنهم أخلاقاً، فبعض الناس قد يغفل عن حسن الخلق، ويسيء التعامل مع الآخرين، وما علم أن صاحب الخلق الطيب الحسن يتوافق ويتناغم مع مقصد ومراد الإسلام، فهذا الدين جاء ليجعل الناس يعيشون في راحة وطمأنينة، والذي وفقه الله للخلق الحسن أو درّب نفسه على اكتسابها يساعد على هذه الراحة، فهو يجلب الراحة والسعادة للآخرين بحسن التعامل معهم والصبر على أذاهم، أما سيئ الخلق فهو يسير بعكس الاتجاه ويجلب الأذى والشقاء لأهله ومجتمعه.

وداعاً أيها الطيب.. أربعون سنة قضيتها مع زملائك في الجزيرة بين الأوراق في قراءة ومراجعة وتصحيح وطباعة ونشر.. كلهم يحبونك، كلهم مشفقون عليك.. كلهم يتألمون على رحيلك.. فهم لا يقولون بك إلا خيراً.. ولم يشهدوا عنك إلا كل خير.. والجميع يعلم بطيبتك ويقر بحسن خلقك.. أخي الطيب هذه كلماتي سقتها على عجل، وهي مقصِّرة ولا تفيك حقك، لكن لعلها أن ترد شيئاً من جميلك علينا، فطالما قرأت وراجعت مقالاتي في التأبين، فمن الواجب علي أن أشارك بكل ما أستطيع في توديعك.. أسأل الله أن يغفر لك وأن يرحمك.. وإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد