Al Jazirah NewsPaper Tuesday  27/07/2010 G Issue 13816
الثلاثاء 15 شعبان 1431   العدد  13816
 
الحقيقة شمس
ثلاثة مشاهد
رجاء العتيبي

 

مشهد1

إذا انتظر المثقف»صندوق الدعم» فإن فصولاً لمسرحية هزلية في طريقها للعرض.. ابتداءً من تعريف المثقف مروراً بتصنيف إنتاجه وانتهاءً بتدافع المثقفين حول من يضع نفسه أولاً داخل «الصندوق»، وإذا وقع المثقف في»الصندوق» فإن الجهات الأربع للصندوق «وفوق وتحت» ستحد من حركته ما لم يفتح له «عطاء» يدعم إنتاجه.

وهنا يكون المشهد الهزلي.. عندما ينتظر المثقف»عطاء» من أجل أن ينتج باعتباره»عطاء» خارجياً وليس «عطاء» ذاتياً!! ومتى كان المثقف الحقيقي ينتظر»أعطية» صندوقية حتى يعمل؟!!

أما إذا مرّ بالمثقف بعض من»صروف الدهر العاتية» فلا بأس أن يدعم - بأي نوع وبأي شكل من أي مكان - بوصفه إنساناً وليس بوصفه مثقفاً منعاً ل»التمايز» بين أفراد المجتمع، ولأنه واحد منهم يحتاج للعون، والله في عون«العبد» ما دام «العبد» في عون أخيه.. هكذا هي فكرة الدعم من دون»رتوش»!!

المثقف الحقيقي «قيمة» عطاء عالية.. يعمل من أجل الناس ولا ينتظر الناس أن يعملوا من أجله، وهو الذي لا تجد بينه وبين الناس «الفروق» السبعة ولا الستة ولا الخمسة، وهو يعرف أن المثقف بصندوق سيختلف عن المثقف من دون صندوق.

وإنه مشهد هزلي أن تصدر المعاملات ذات الصندوق بكل التواقيع فيما تموت «المعاملات» الإنسانية لغير أصحاب الصندوق من المثقفين!!

أما مسرحية اللا معقول الأخيرة.. فهي في «ترسيم الشحاذة» ووضع المثقف على بند العمال !!!

مشهد2

إن أجمل شيء أن تتخلى فيه العلوم والفنون والأفكار، أي علوم وأي فنون وأي أفكار، عن نخبويتها.. لتصل إلى الجماهير.. أي تكون علوماً جماهيرية.. وهذا ما سعى إليه كثير من الناجحين في إنجازاتهم المختلفة، بل إن كل العلوم والمعارف والتخصصات بدأت تسير نحو الجماهير.. وتبسط من شخصيتها تماهيا مع نضوج الإنسان وقدرته على تحمل المسؤولية، لأنها من دون جماهير لا تساوي شيئاً ومن دون إنسان ناضج لا يعتد بها؛ ففي القرن الحادي والعشرين.. سقطت البروج العاجية.. وتهاوى الأوصياء.. وتكسرت الأيدلوجيات.. وأصبح الإنسان يملك الوعي والنضج بصورة قد تكون أفضل من صاحب التخصص نفسه.. وهذه إحدى ظواهر القرن الحالي.. قرن «الفردية» الناضجة.. التي تشكل مع «الفرديات» الأخرى منظومة من التعاضد والشراكة من أجل المصلحة المشتركة والفائدة العامة.

فلم يعد الفرد الناضج في هذا الزمن يضع نفسه «قرباناً» لأحد يسيّره كيفما شاء، وإنما أصبح لديه وعي كامل بحقيقة «الموقف» يمكنه من قبوله أو رفضه باقتناع تام، وبات يرفض التغييب والأدلجة.. بوصفها تسيراً لمصلحة «الحزب» وليس لمصلحة الفرد، وهو الكائن الاجتماعي الذي له مصالحه هو الآخر.فحتى الإنجاز أي إنجاز لم يعد حكراً على فئة معينة.. وإنما أصبح جماهيرياً.. بشكل يمكن لأي فرد أياً كان جنسه وقبيلته ولونه أن يحقق الإنجاز والتميز.

مشهد3

البرامج الفنية شيء (جمالي) قبل أن تكون شيئاً (إداري)، والفن أقدر على صياغة الجمال بما يتوافق مع الأحاسيس والمشاعر، وليس بما يتوافق مع البند رقم كذا تقسيم كذا في تاريخ كذا.

القرار عند الإداريين يتحكم فيه (الهيكل الإداري)، فرأي المسؤول له الأولوية بغض النظر عن قيمته الفنية، في حين القرار عند الفنانين ينبني على مدى صحته إبداعيا بغض النظر عن مصدره، وهذه المفارقة إذا غابت عن فريق العمل تفضي إلى نوع من الصدام بين الإداري والفنان تؤثر قطعا على الصورة الكلية المطلوبة.

ف (ياما وياما) شاهدنا إداريين باتوا في لحظة (هيكلة) فنانين وشعراء وملحنين ومخرجين، في حين بات (المبدع الحقيقي) الذي يعمل في كنفهم مجرد موظف صادر وارد.

في كثير من الأعمال (الفنية الإدارية) يمكنك أن تفرق بين العمل الفني الذي تدخَّل فيه إداري بحت، أو العمل الفني الذي صاغه خيال فنان متألق بمفرده، سترى الفرق شاسعاً، وستعرف كم هي أهمية أن يتعاون الفنان والإداري في تنسيق خطة العمل، وأهمية أن يعرف كل منهما حجمه وقدراته ودوره، وأهمية أن يحترم كل من الأثنين تخصص الآخر.



nlp1975@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد