Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/07/2010 G Issue 13818
الخميس 17 شعبان 1431   العدد  13818
 
توسيع الجانب الاستدلالي في المنطق
عبد الله محمد السعوي

 

الفلاسفة مكونات شتى وتنويعات متلونة على نحو يتعذر حصرها في فضاء رؤيوي مغلق إذ كل شريحة لها عالمها المفاهيمي وخرائط جغرافيتها الذهنية ونموذجها الخاص ولها استراتيجيتها في آلية الاهتداء نحو معالم الحقيقة.

كان يعي تماما كما تفيد الوقائع الخطابية أنه «إذا ضاقت العقول والتصورات بقي صاحبها كأنه محبوس العقل واللسان كما يصيب أهل المنطق اليوناني تجدهم من أضيق الناس علما وبيانا وأعجزهم تصورا وتعبيرا» (الرد على المنطقيين ص166) وعلى ضوء هذا الإدراك الواعي الذي لا ينفك عن استحضاره طفق عبر التشكيل الخطابي إلى فتح بُعد علائقي طريف يتجاوز الإطار التليد مع هذه الحقيقة وباشر وبعدة منهجية ذات فعالية قصوى على السبر والكشف والاستبطان المعرفي، باشر مدّ منسوب حركة الاستدلال في المنطق وتوسيع جغرافية تحركها لعاملين: أحدهما، إضفاء رحابة إضافية للمساحة المعرفية التي تُدرك عن سبيلها. الثاني، تكثيف المفردة التي تتوسل بها هذه المعرفة وتوسيع تجلياتها. وقد بدا المتن التيمي المتكئ على الخلق والتحويل على مستويين: أحدهما، توسيع صورة الاستدلال المنطقي؛ والثاني، توسيع مادة الاستدلال المنطقي.

الأول:

ما يتصل بتوسيع الصورة الاستدلالية حيث لا يعزب عن البنية الإدراكية أن علم المنطق يقرر حصر سبل الاستدلال - وهو حصر لم تتوفر موجبات منطقته - الآيل إلى اليقينية في القياس الحملي كإطار تنهض الوشيجة المنطقية بين عناصره الثلاثة على أولوية التمازج والاندغام بين أجزائه التي تتداخل فيما بينها فكل عنصر يندرج فيما قبله ويندمج فيه ما بعده فهي عبارة عن دوائر متشابكة الأمر الذي حدا ابن تيمية إلى رفض هاتيك الصورة الكلاسيكية - إن من جانب العلاقة الصورية أو في كمية عناصرها المقيدة على الصعيد العددي - وسعى للتحرر من وطأتها والانفصال عن مؤدياتها بحسبها ضربا من تحجير الواسع، وتحسير لما رحابته هي سر تميزه وقد اصطفى ابن تيمية ما يُصطلح عليه ب «الدليل» كنمط موضوعي للاستدلال وقد باشر مدّ مناحيه وخلْق اشتراطات تموضعه وتوسيعه على صعيدين: على صعيد العلاقة المنطقية وعلى صعيد العناصر المكونة لتلك العلاقة.

ما يتصل بتوسيع العلاقة الاسدلالية التي يقوم عليها الدليل مضى ابن تيمية إلى أن هذه العلاقة الاستدلالية تتمثل فيما يوسم ب»اللزوم» أي أن كل ما لزم عنه ملزوم سواه فهو دليل ويسمى «ملزوم» أما ما نبثق عنه فقد جرى التواضع على نعته ب «المدلول» وعلى ضوء هذا فمتى ثبت الدال كمقدم ثبت المدلول كتالٍ، والعملية منعكسة أيضا، حيث انتفاء المدلول يوجب انتفاء الدال ولذا يقرر ابن تيمية أن «الحقيقة المعتبرة في كل دليل وبرهان في العالم هو اللزوم فمن عرف أن هذا الازم لهذا استدل بالملزوم على اللازم وإن لم يذكر لفظ الملزوم ولا تصور معنى هذا اللفظ» (الرد على المنطقيين ص252) وهكذا يجعل ابن تيمية هذه العلاقة ذات منحى لزومي حيث تم كما يقرر الدكتور (طه عبدالرحمن) «إخراجها (يقصد العلاقة الاستدلالية) من الوصف القياسي مع أرسطو إلى الوصف اللزومي مع ابن تيمية» (تجديد المنهج في تقويم التراث ص352).

الثاني:

عدم تقييد العناصر التي يتشكل إثرها الدليل اللزومي بثلاثة فحسب فهذا التقييد تحكم لا منطقي ترفضه اشتراطات المنهجية ويعييه إيجاد شروط تسويغه ولذا يؤكد ابن تيمية أن العدد خاضع لطبيعة المتلقي الذي يتفاوت في افتقاره للمقدمات والبشر في ذلك طرائق قددا ف»من الناس من لا يحتاج إلا إلى مقدمة واحدة لعلمه بما سوى ذلك كما أن منهم من لا يحتاج في علمه بذلك إلى الاستدلال بل قد يعلمه بالضرورة ومنهم من يحتاج إلى مقدمتين ومنهم من يحتاج إلى ثلاث ومنهم من يحتاج إلى أربع وأكثر» (الرد على المنطقيين 168).

وهكذا ينعى على المناطقة حصرهم سبل الدال في مقدمتين مزحزحا هذه النظرية عن تمركزها الذاتي مقررا أن هذا: «قول لا دليل عليه بل هو باطل» (الرد على المنطقيين 1-168) وفي (ص181) يقرر أن «هذا تخصيص لعدد دون عدد بلا موجب» و«أنه على كل تقدير يمكن الاستدلال على المطلوب بمقدمة واحدة إذا لم يحتج إلى غيرها، وقد لا يمكن إلا بمقّدمات فيحتاج إلى معرفتهن. وأن تخصيص الحاجة بمقدمتين دون ما زاد وما نقص تحكم محض» (الرد على المنطقيين 1-195).

ويمضي في سياق متصل مقررا أن: «البرهان قد يكتفى فيه بمقدمة وقد لا يتم إلا بمقدمتين وقد لا يتم إلا بثلاث مقدمات وأربع وخمس بحسب حاجة المستدل وما يعلمه مما لا يعلمه من المقدمات» (الرد على المنطقيين 1-92) ولذلك فإن «من احتج على المسألة بمقدمة لا تكفي وحدها في بيان المطلوب أو مقدمتين أو ثلاثة لا تكفي، طولب بالتمام الذي يحصل به الكفاية» (الرد على المنطقيين 1-191) لماذا؟ يجيب ابن تيمية لأن «المحتاج إليه هو ما به يعلم المطلوب، سواء كانت مقدمة، أو اثنتين، أو ثلاثاً» (الرد على المنطقيين 1-194) ويجلي ابن تيمية أن هذه الآلية المنهجية في الاستدلال هي «طريقة نظار المسلمين أن يذكروا من الأدلة على المقدمات ما يحتاجون إليه ولا يلتزمون في كل استدلال أن يذكروا مقدمتين» (الرد على المنطقيين 1-196).



Abdalla_2015@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد