Al Jazirah NewsPaper Friday  30/07/2010 G Issue 13819
الجمعة 18 شعبان 1431   العدد  13819
 
للمعجبين بقنوات المفسدين
عبيد بن عساف الطوياوي *

 

حادثة يندى لها الجبين، لا يصدقها عاقل، بل لا يستسيغها مسلم رضي بالله ربا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، وبالإسلام دينا، ولكنها حدثت وتحدث بكثرة فلا بد من ذكرها من باب التحذير من تبعاتها، والحذر من سوء نتائجها.

هي باختصار حادثة رجل، جاء بمعلم ليعلم أطفاله ونسائه ومن في بيته ما ينفعهم ويفيدهم، ولكنه -وللأسف - معلم خبيث ليس عنده ضمير، طغى شره على خيره، فلما باشر عمله، صار يؤدي عمله بين أفراد الأسرة الكريمة، يبذل ما بوسعه في سبيل تعليمهم كل ما يقضي على مستقبلهم ،ينوع لهم الدروس فتارة يسمم أفكارهم، وأخرى يفسد أخلاقهم، وأخرى يدنس عفافهم، وأخرى يضعف ولاءهم وبراءهم، وأخرى يحارب دينهم، بل وصلت به الوقاحة والخبث، بأن يعرض دون حياء صورا لأجساد عارية، ونماذج لسهرات مختلطة، فيها تدار الخمور، ويظهر من خلالها السفور، بل حتى الأطفال الأبرياء أدركهم ضرره ولم يسلموا من شره، فقد صارت عقيدتهم بالله ضعيفة، وبالغيب مزعزة، وبالأقدار منحرفة.

بالله عليك - أخي القارئ الكريم، هل تعتبر رب أسرة كهذا رجلا عاقلا ؟ إذا كان هو بنفسه وبماله من يأتي لفلذات كبده وأسرته، بمن يكون معول هدم لأخلاقهم، وسببا في إبعادهم عن عاداتهم وتقاليدهم الموافقة لشرع ربهم، هل تعتبره عاقلا ؟ إن اعتبرته عاقلا فعليك أن تراجع وظائف عقلك، فقد يكون أصابك ما أصابه، وحل بك ما حل به.

ثم أخي هل تتمنى أن تكون مثل هذا الرجل، الساذج الغاش لرعيته، الذي يخشى أن يُحرمُ اللهُ عليه الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة). لا شك أن العاقل يستعيذ بالله من حال كحال هذا الرجل ويسأل الله أن لا يكون في بيته ومع أهله وأسرته مثله، ولكن الحقيقة المرة إن ذلك الرجل، صاحب المعلم، هو أكثر المسلمين اليوم ! فالمعلم الذي أشرت إليه، وذكرت شيئا من حاله، هو تلك القنوات الفاسدة المفسدة الموجودة في أكثر بيوت الناس، ولم يسلم منها إلا من رحم الله تعالى ! وقد أهمني هذا الأمر فعملت إحصائية، على شريحة من الناس يتوقع منهم الخير، و يعرف فيهم الحرص على الدين، فماذا كانت النتيجة، وجدت أن أقلهم عنده ثلاثون قناة، وبعضهم عنده أكثر من ألف قناة، وكل باقة من هذه القنوات لها اتجاه وأهداف ومقاصد معينة، صحيح أن من بين تلك القنوات قنوات إسلامية، تعلم القرآن وتنشر الدين، ولكنها قليلة، فالنسبة العظمى لقنوات ذات أهداف تجارية لا يهمها ما يعرض من خلالها من سوء، ففيها قنوات لنشر البدع، ومحاربة السنة الصحيحة، كقنوات الرافضة والصوفية، وفيها قنوات تنمي فكر الخوارج وتأصله، كالقنوات التي تدس السم بالعسل، بنشر الفكر المنحرف بدعوى الجهاد، ونصرة المسلمين، وأخرى لنشر الرذيلة والشذوذ، كقنوات المسلسلات والأفلام والمسرحيات، وأخرى لهدم العقيدة كقنوات الأطفال، وأخرى وأخرى، وهذا ما يتوقع من آلاف القنوات، وهاهي النتائج واضحة.

اتصلت بي امرأة، تشتكي من وضع أخت لها، متأثرة بهذه القنوات، تقول إنها لا تتكلم إلا بالجهاد، حتى سموها بالمجاهدة، هاتفها الجوال مملوء بالمقاطع والأناشيد، لمن يعرفون بالجهاد، طبعا الجهاد بمفهوم الخوارج لا بمفهومه الإسلامي الصحيح، كنّت نفسها بأم البراء، أسوة بأم الزبير وزميلة لهما تكنى بأم حمزة، يقضين جل أوقاتهن أمام قناة تدعي الإصلاح، وهي إلى الإفساد أقرب.

فهذا نموذج من تأثير هذه القنوات التي سممت أفكار كثير من الناس، وأفسدت أخلاقهم ولم يسلم من شرها الصغير والكبير والذكر والأنثى، بل أحدهم ذات مرة في مجلس عام، وهو كبير في السن، كان يتخبط في حديث له، فذكرته بحديث ينسف ما يتحدث به، فقال لي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصابني الشك في علمي بهذا الحديث، فبحثت عنه، فوجدته في صحيح مسلم، ومعنى ذلك أنه حديث صحيح ولكنهم يضعفونه عبر قنواتهم.

فتأمل -أخي- فعل هذه القنوات، وهناك الكثير من الناس، جعلتهم هذه القنوات يرتكبون الفواحش والمنكرات، بسبب ما تبثه وتنشره طوال ساعات بثها غير المنقطع، تقول زوجة أحدهم، أن زوجها يتصرف معها تصرفات غريبة، دخيلة على المجتمع المسلم، والسبب هو ما يشاهده في هذه القنوات، فهو يطبق ما يرى من باب الإعجاب والتأثر، نسأل الله السلامة والعافية.

فأكثر هذه القنوات، مصدر شر، ومنبع خطر، ففيها نبذ للقيم الدينية، والعادات الاجتماعية، وقضاء على اللغة العربية، وزهد في الآداب الإسلامية، وهجر للصلوات في المساجد، وترك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقديس للكفرة والفسقة، ونشر للفساد بأنواعه، وتمرد على أحكام الشرع، وإثارة للشهوات والشبهات، وإضعاف لعقيدة الولاء والبراء، وقطع للحواجز بين الكفار والمسلمين، ودعوة للجريمة، واستهزاء بالصالحين، ونشر للأفكار الهدامة، وتشويه للتاريخ الإسلامي، وتضييع للوقت، كل هذا وغيره تفعله هذه القنوات الخبيثة، لذا وجب التحذير والحذر.

* حائل


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد