Al Jazirah NewsPaper Saturday  31/07/2010 G Issue 13820
السبت 19 شعبان 1431   العدد  13820
 

أسأل الله لك الجنة يا أبا مرام

 

لا راد لقضاء الله وقدرته ?إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ?, ?وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ?، هكذا رددت مراراً وتكراراً عندما تلقيت الخبر المفجع بوفاة أخي الكريم وصديقي الحبيب وأستاذي وقدوتي الدكتور عبد الرحمن بن سلمان المطرودي وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف، الذي وافته المنية فجر يوم الجمعة بعد أن استعد للصلاة وقدم الدواء لأبيه، فقد كان - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - ابناً باراً بوالديه، وأباً حنوناً لابنتيه، وصديقاً صدوقاً ومخلصاً لكل من حوله من أهله والعاملين معه في الوزارة فاللهم يا أرحم الراحمين أكرم مثواه وخلد ذكراه وتقبله في عبادك الصالحين.

لقد وهب الله لهذا الرجل في دنياه القبول في الأرض بين الناس، ومتعه بالكثير من الخصال الحميدة، وجملة من الشمائل والقيم التي يحسها ويعرفها كل من يعرفه ويخالطه في عمله الذي لم ينقطع عنه طوال حياته، بل وكان قدوة صالحة لكل من يعمل معه فهو يبكر بالحضور إلى العمل قبل الجميع ولا ينصرف إلا بعد انصرافهم، وكان بشوشاً عند اللقاء لا تفارق الابتسامة وجهه، وكان كريماً في العطاء مع كل من حوله من الموظفين والعمال البسطاء، وخير دليل على ذلك ما حدث في الوزارة كلها عقب تلقيها خبر الوفاة فقد خيم حزن شديد على الجميع إلى درجة البكاء والنحيب من بعضهم وبصوت مسموع، ومن لم يبك أصابه الوجوم من هول الصدمة ولا حول ولا قوة إلا بالله، فكم كان وقع الخبر قاسياً على الجميع، وفي مقدمتهم معالي الوزير صالح بن عبد العزيز آل الشيخ الذي بدأ عليه حزن لم نره من قبل، وكان في مقدمة المعزين في جنازته، والمشاركين في دفن جثمانه.

أما عن بره بوالديه فمعروف لكل قريب وصديق فهو على سبيل المثال لا الحصر يرتب لهم مواعيد المستشفيات ويحرص على اصطحابهم إليها بنفسه رغم وجود إخوانه البررة، إلا أنه يستمتع في خدمتهم، إنها منة من الله سبحانه وتعالى يهبها للصالحين.

لقد مر خمسة عشر عاماً على منصبه وكيلاً للوزارة لشؤون الأوقاف، عمل خلالها في صمت وهدوء في خدمة الأوقاف بصفة خاصة والوزارة بصفة عامة، ووهب جل وقته وصحته وتفانيه وتفاؤله في أن يعود للأوقاف دورها العظيم في بناء الأمة، وكلنا كنا نأمل ونتوقع - بإذن الله - أن يستمر في مسيرته بتولي منصب المحافظ في (الهيئة العامة للأوقاف) إلا أن الموت عاجله وذلك أمر الله وشأنه في خلقه وقوله الحق: ?فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ?، فلقد آن للفارس أن يترجل عن صهوة جواده ليستريح تاركاً فينا أعظم الأثر والقدوة الحسنة والذكرى الطيبة كما قال الشاعر:

والذكرى للإنسان عمر ثان، فأترك الطيب يا شيخنا سيظل في قلوبنا وأعمالك وإنجازاتك وإخلاصك قدوة لنا، لقد رحلت يا أستاذي الحبيب لكن ذكراك وسيرتك العطرة ستبقى لتخلد شخصيتك النادرة وسماحتك وأخلاقك العالية، فقد عرفته منذ أكثر من ثلاثين عاماً وتوطنت وتوطدت علاقتي به عندما كنا في لندن ثناء الدراسة، وعندما عين وكيلاً للأوقاف عام 1416هـ عرض علي العمل معه وكنت في جامعة الملك سعود، فانتقلت معاراً من الجامعة لمدة ثلاث سنوات وتم تعييني مديراً عاماً للمكتبات، وبعد انتهاء المدة رغبت في العودة للجامعة إلا أن أبا مرام كانت رغبته أن أنقل خدماتي إلى الوزارة وقد كان، وتشرفت فعلاً بالعمل مع هذا الرجل، وطول تلك السنوات لم أره يوماً يغضب، كان دائم الابتسامة حتى وإن اختلفت معه في الرأي لم يضر أحداً من العاملين معه بأي ضرر كان.

رحمك الله وغفر لك ولمن سبقك من علمائنا ومشايخنا، من الذين رحلوا عن دنيانا الفانية، لكن ذكراهم العطرة ستبقى ما بقي التاريخ، الذي سجل لهم مواقف لا تنسى، فقد كانوا رموزاً في زمانهم وسيبقون مثالاً لنا ولغيرنا في التواضع والوداد عملاً بقول الشاعر:

وخير ما يبقي وداد دائم

إن المناصب لا تدوم طويلاً

فاللهم أسكنه الفردوس الأعلى، وأبدله داراً خيراً من داره، ووفق إخوانه وبناته وزوجه وذويه وجميعنا للسير على خطاه بعد رحيله، بالقيام بأعمال البر ومساعدة المحتاجين والمعوزين، وأن نفتح قلوبنا وأبوابنا - كما كان يفعل - لكل طالب عون أو مساعدة أو معرفة.

وختاماً إذا كان الناس شهود الله في أرضه، فقد شهد له ذلك الحشد الكبير من الناس الذي حضروا جنازته، وتوافدوا على مجلس العزاء فيه، بأنه كان من خير الناس، وستظل سيرته العطرة التي لا يختلف عليها اثنان نموذجاً يحتذى ويتمناه كل امرئ عاش قريباً منه، فاللهم اغفر لفقيدنا وارحمه وتجاوز عنه، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأفسح له في قبره واجمعنا به ووالدينا وأحبابنا في الفردوس الأعلى من الجنة واطرح في ذريته وتلامذته البركة والصلاح وحسن البر به بعد موته.. إنك ولي ذلك والقادر عليه.

يوسف بن إبراهيم الحميد

المدير العام لإدارة البحوث والتخطيط والمركز الإعلامي للأوقاف

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد