Al Jazirah NewsPaper Friday  06/08/2010 G Issue 13826
الجمعة 25 شعبان 1431   العدد  13826
 
لا تكوني.. أنت والزمان عليَّ..
أنور الخطيب

 

وحدك..تفتحين باب الليل لي..

ترتّبين عزلتي، وأثاث الغريب..

وما لا يرتبه النهار.. ولا تأمل ضائع عند المغيب..

فأنا، مهما تنقلت في ثنايا الأقحوان

أبقى، مثل كومة من الزمان تشكّلت من بقايا العاشقين

الجنود، والمبعدين، والعبيد مثل أطفال الشوارع، والنساء الوحيدات،

والرياح القريبة، والجنازات المظاهرات، وصمت الأمهات

والمطر البعيد، انوا يمرون بي باكين، ضاحكين

زاحفين راكضين، لاهثين صارخين، مرتّلين هازئين، خائفين، تائهين..

يتركون نشيدهم بي، ويقتلني النشيد

يتخففون من أحلامهم، وأحزانهم، وأشعارهم،

يوصونني بالبقاء إذ، ربما يرجعون، مثلما غادروا، وفق ما لا يشتهون..

وحدك... تفتحين باب الليل لي، تضيئينني بدفءِ همسةِ راحتيك،

فأرحل عبر شموعي التي أبت أن تموت،

تعالي لنقرأ ما تراكم من سكوت، ما تكلّس فوق السطور القديمة

تحت البساطير اليتيمة، حول هامتي،

فكوني معي، وازرعي شجيرة حنّاء

لا تغادري كومتي، والتقطيني من جهتيَّ،

ولا تكوني عليَّ أنت والزمان والمارّون..

لا تكوني عليَّ..

مروا بي سكارى وما هم بسكارى،

وحيارى، وما هم بحيارى..

ثقلت موازينهم فوق أكتاف الحدود،

قد عبروني على دفعتين، ولم يعبروا بي،

تركوا خلفهم ميَتا من كل ميّتين

مولودا من كل مولودين، ذاكرة من كل ذاكرتين،

مفتاحاً من كل مفتاحين،غريباً من كل غريبين،

صرة من كل صرتين..ودمعة من كل دمعتين،

ولم تترك امرأة لي شالها

كي أجفف دمعة، أو أكفّن راحلا،

وانتظرتهم واحداً واحداً كي يعودوا،

فلم يعودوا.. واختلقتُ من هواجسي فزّاعةً

هربت.. وأفزعتني..

واختلقت حوارا خلته لذيذا بين كل زوجين،

تنافروا، ولم أحاول الصلح بينهما، فشلت في أن أزوّجَ ذاكرة لمفتاح

أو غريباً لصرةٍ، أو دمعةً لميّت..وللعنةٍ ما، تناسلوا بي..

صرت مثل امرأة لم يكتمل حَمْلُها.. منتفخٌ منذ نصفِ قرنٍ أو يزيد،

تساقط منّي بعضُ أطفال ولم أسمّهم..تضخمت كومتي أو كومتهم..

تطاولت موجتي على يابستي.. فلا بحر لي..ولا شمس تحرقني كي أتبخّر

أو أصير قوس قزح..بي رغبة للصراخ أو الزئير أو حتى الثغاء

بي رغبة غيمة طلّقتها الرياح: «أن أتلاشى.. في سماء غير هذه السماء..

أتعبني احتباس البرق والرعد بي، والنداء.

أتعبتني المساءات والنجوم الذابلة، جوب البلاد منذ عمر الخطيئة، أبحث عن قابلة..

وما من تربة تقبّلت وجعي.. وما تبنّت هواجسي عائلة،

أجوب وأكتب، ثم أمحو، ثم أُمْحَى

ثم أكتب من جديد، لا تسألي عما كتبتُ، فحين أقرأ ما كتبت، اسمي يغيب،

بحثت عني ولم أجد دعوتي..لا في المعلقات، والمقامات

لا في الفتوحات والعنعنات..لا في الردة، والخيانات

لا في المماليك والصعاليك،ولا الذاكرين ولا الساهرين

لا في الخيام أو القصور أو الحدائق غُيّبت عن كلّ ماضيَّ لكنني

لم أغب عن كومتي.. فلي في كل منفى مهرجان،

وفوق كل حبة رمل على الحدود سجلٌ عجيب:

«اسمي الرباعيُّ، تاريخ مولدي،

دراستي، هوايتي، ومهنتي.. تاريخ بدء بطالتي، واسم حبيبتي،

طريقة موتي، واسم مقبرتي..» وما بين هذا وذاك مرفقات:

«ملف الكتب التي قرأتها واعتقلتني..ملف الدول التي زرتها ولم تعتقلني..

كلمة السرّ لبريدي الإلكتروني.. دراسة عن وضعي الجنسي..»

وملاحظة لمحتها: «غنى لفيروز مرة في العراء:

«ردني إلى بلادي..وكرَّر «رُدَّني» عشر مرات..»

وحدكِ لا تردّديني..تفتحين باب الليل لي وتعتقيني..

وأنا مثل كومة من الزمان تشكلّت في المكان واللامكان،

احفري بها ولا تحفريني، ولا تشتتيني..قد يعود الغائبون يوما،

أو تعود رفاتهم، أسماؤهم، أحزانهم، وقد يتوقفوا عند كومة

يشمون فيها ذهولهم فانتظري.. كي تفتحي باب الصباح

وعرّفيهم، بما تساقط منهم، ولهم..ولا تفتحي باب الليل لي.. ولا حتى البيوت،

فأنا والليل توأمان ملتصقان، إن باعدتِ بينهما أموت..



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد