Al Jazirah NewsPaper Friday  06/08/2010 G Issue 13826
الجمعة 25 شعبان 1431   العدد  13826
 

رياض الفكر
اتق شر من أحسنت إليه(إن كان لئيماً)
سلمان بن محمد العُمري

 

النفوس السوية تمتثل قول الله تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (60) سورة الرحمن، فهي دائماً تقابل المعروف بالثناء والدعاء والعرفان، ويجزي الإحسان بالإحسان.

وقد جبلت النفوس أو القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، وهذا الأمر الطبيعي جعله الله في عموم بني البشر، لكن هناك فئة شاذة منتكسة مخالفة للدين والفطرة والعقل، لا ترد الجميل، ولا تعرف للوفاء قيمة، بل إنها كما يقول بعض العوام: (تعض اليد التي تمتد إليها)، وتسيء إلى من أحسن إليها قولاً وعملاً، وهذا الأمر لا يتصف به إلا أهل القلوب والعقول السقيمة.

وبالمناسبة فإن قول (اتق شر من أحسنت إليه) من الأحاديث الموضوعة التي لا يجب نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها كلمة بالغة الدقة، وفيها من الموضوعية الشيء الكثير، لأنها تحكي حالاً وصورة واقعية لنكران الجميل من قبل ضعاف النفوس.. وإليكم أمثلة من ذلك:

فعندما يحسن شخص إلى آخر، ويقرضه قرضاً حسناً، ويطلب سداده، فإنه يجد منه العناء والمشقة في سداد هذا الدين، ولو وصل الأمر إلى أقسام الشرطة، والمحاكم، والإمارات، فقد لا يطول منه شيئاً بل تسويفاً ومماطلة، وإمعاناً في الأذى.

وكم من شيخ فاضل تلقى العلم عنده (طويلب علم) فقلب له ظهر المجن، وأساء إلى شيخه همزاً ولمزاً، وقولاً وفعلاً.

وهناك حالات أخرى لمن يحسن إلى لئيم فلا يجد منه إلا لؤماً وخسة، وكم من محسن أشفق على ضعيف، وكم من صاحب معروف حن وعطف على صاحب حاجة فمده بالعون والشفاعة، أو الدعم المادي، وتنكر لمعروفه بما ينطبق عليه قول الشاعر:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وهكذا هم اللئام إذا اتجه الإحسان إليهم، ووصل المعروف عليهم، قابلوا ذلك بالإساءة، ونكران الجميل.

وإنني هناك لا أيَئّس الناس من عمل المعروف، وتحجيمهم، وتثبيطهم.. لكنني أؤكد على أن عمل الخير والمعروف والإحسان كما هو يتطلب الصبر في حال أدائه، يتطلب الصبر أيضاً بعد الفراغ منه، تعظيماً للأجر، وزيادة في البلوى، فإن لم يحصل الشكر فقد يكون ماهو أسوأ منه، ولكن أصحاب الهمم العالية، العاملين لوجه الله، لا ينتظرون جزاءً ولا شكوراً من الخلق.

لا يضرهم المخذلون والمتنكرون، فيردون عليهم ويقابلون إساءاتهم بالإحسان {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} (9) سورة الإنسان، وهذا حال السلف الصالح، وكذلك فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع (مسطح) الذي كان ينفق عليه، ثم سعى في إشاعة الفاحشة على الصديقة بنت الصديق، فأقسم أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق عليه، ولكن ما إن نزل قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (22) سورة النور، قال أبو بكر: بلى، والله إني أُحِبُّ أن يغفرَ الله لي، فرجعَ إلى مِسْطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: واللهِ لا أنزعها منه أبداً، وعاد أبو بكر إلى الإنفاق والإحسان على (مسطح).

وفعل اللئام والشواذ لا يفل عزيمة أهل الهمم العالية، والخصال الحميدة، وأصحاب المعروف في أن يبذلوا معروفهم، ويواصلوا عطاءهم، لأن عملهم لله وفي الله، وابتغاء مرضاته، فشتان بين الكرام وبين اللئام.. فيا أيها المحسن ويا صاحب المعروف لا يضرك غمط من غمطك، ولا جحود من جحدك، وأحمد الله أنك صاحب اليد العليا، واعلم أن الله أجرى على يديك الخير ليعطيك الدرجات العليا في الجنة، وسلّط عليك مَنْ أكرمته ليرفع مقامك عند الله، لأن عملك لله -عز وجل- ولمرضاته لا لمرضاة الناس؛ إذ رضى الناس غاية لا تدرك، فعمل الخير وصف لك بأنك من الأخيار، وإنكار المعروف دليل على الحمق، وهذا وصفه، قال تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} (84) سورة الإسراء، وهذه الحكمة (اتق شرَّ من أحسنت إليه) لها تتمة وهي (إن كان لئيماً)، قال تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (60) سورة الرحمن، ولا تنس المقولة القائلة: اعمل خيراً تلقَ شراً لا والله، اعمل شرًّا تلق خيراً لا والله.

وعلامة الإخلاص عمل الخير مع أهله ومع غير أهله، لأن الإنسان الكامل مفطور على الرحمة، كما هو الحال في سيرة نبي الرحمة، فقد أحسن لمن أساء إليه عند المقدرة (اذهبوا فأنتم الطلقاء).

خاتمة:

فوا عجباً لمن غذوت طفلاً

ألفته بأطراف البناني

أعلمه الرماية كل يوم

فلما استدَّ ساعده رماني

أعلمه الفتوة كل حين

فلما طر شاربه جفاني

وكم علمته نظم القوافي

فلما قال قافية هجاني

alomari1420@yahoo.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد