Al Jazirah NewsPaper Monday  09/08/2010 G Issue 13829
الأثنين 28 شعبان 1431   العدد  13829
 
المقررات الجديدة وتطوير مناهج التعليم
عبد الرحمن الحبيب

 

المناهج الحالية أصبحت غير قابلة للتكيُّف مع الظروف الاجتماعية وطبيعة العصر الحديث كونها وُضعت قبل فترة من الزمن. ومع الانفتاح العالمي، وما شهده الاقتصاد السعودي من تطوُّر كبير بالتزامن مع التطورات العالمية، أصبح لزاماً إعادة النظر في النظام التربوي وتطويره..

هذه العبارات ليس من كاتب تنويري يتلقّى السهام من كل صوب، بل هي مقتطفات من مسودة المشروع الشامل لتطوير المناهج الصادر من وزارة التربية والتعليم الذي نشرته صحيفة الوطن (حسن السلمي) قبل بضعة أشهر، وجاء فيه أنّ إعادة النظر هذه تتم بالمحافظة على الأصالة والقيم الثابتة والخصوصية الإسلامية.. وقد نشر الأسبوع الماضي اعتماد المقررات الجديدة.

إذن، انتقلنا من مرحلة المزايدات حول الحاجة لإصلاح التعليم إلى مرحلة النقاش حول كيفية الإصلاح؟ إلاّ أنّ ذلك يحتاج لمعلومات أكثر من تلك العامة حول المشروع، لكن حسبما يبدو فإنّ وزارة التربية والتعليم مارست نصف شفافية، حتى موقعها بالإنترنت لا تكاد تظفر بمعلومات ذات قيمة عن المشروع! وإذا بحثت في المصادر المتاحة لا تجد إلاّ معلومات أولية تتطرّق لتغيير بعض المناهج ودمج بعضها وجداول المقررات. وسيبدأ العمل بالصف الأول والرابع الابتدائي والأول المتوسط كحلقة أولى من المشروع الشامل.

من أهم الدراسات الإستراتيجية لإصلاح التعليم هو ما أصدره مركز Ideation بعنوان كيف تنجح في إصلاح التعليم (How to Succeed at Education Reform) الذي ركّز على السعودية كحالة دراسة، أعدّها نبيه مارون وحاتم سمان. وسأتناول منها جزئية المناهج.

حسب هذه الدراسة، تسعى السعودية والإمارات لمحاكاة النموذج السنغافوري الناجح الذي كانت مناهجه منذ الستينات تعكس الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلد، مع استمرار التطوير وفقاً للتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية. وتوضح الدراسة أنّ نظم التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي عبارة عن خليط من التعليم الديني والدنيوي. لا شك أنّ التعليم الديني هو قيمة سامية للحفاظ على التراث الديني، ولكن المواضيع الأخرى كالرياضيات والعلوم هي بقدر الأهمية من أجل المعرفة الأساسية التي تعكس أولويات الاقتصاد الاجتماعي لتطور البلد، حتى لا تكون المناهج قاعدة توجه للطلبة لصالح التخصصات الأدبية على حساب التخصصات العلمية.

ففي السعودية تظهر الأشكال التوضيحية في الدراسة أنّ هناك العديد من التخصصات العلمية التي يحتاجها سوق العمل ولا يلبيها عدد الخريجين، كالعلوم الطبيعية والتقنية والاجتماعية، وعلى العكس بالنسبة للتخصصات الدينية التي يظهر فائض فيها عن حاجة السوق. وقد سبق للدكتور أحمد العيسى أن أوضح أنّ النظام التعليمي في المملكة يهتم بالعلوم الشرعية والعربية في مراحل التعليم العام على حساب العلوم الأخرى خاصة العلوم الطبيعية والرياضيات والعلوم الاجتماعية.

زيادة مواد الدين واللغة العربية على حساب المواد العلمية تؤثر على الطلبة في التوجُّه نحو التخصصات غير العلمية حتى أولئك الذين لهم مهارات علمية، هذا ما تؤكده الأبحاث التي أشارت لها الدراسة. وقد يفاقم سلبيات هذا التوجه صرامة النظام التعليمي بحيث يكون الطلاب بعد الثانوي غير قادرين على تغيير تخصصاتهم من الأدبية إلى العلمية. وقد انتبهت بعض دول مجلس التعاون لذلك وعملت تغييرات مهمة في بنية المناهج، من خلال التوازن بين المواد العلمية والرياضيات من جهة والمواد الدينية من جهة أخرى.

ويوضح أحد جداول الدراسة أنّ نسبة المواد الدينية في التعليم الابتدائي بالسعودية بلغت 31% في السعودية تليها عمان 20% فالإمارات والكويت 13%. أما العلوم الطبيعية والرياضيات، فقد نالت 20% بالسعودية ثم 22% بالكويت و25% بالإمارات و26% بعمان. وإذا قارنا هذه النسبة مع الأردن الذي يعتبر نظامها التعليمي ناجحاً نسبياً، حسب الدراسة، نجد أنّ نسبة المواد الدينية نالت 10% مقابل 36% للرياضيات والعلوم. وقد بدأت عمان والإمارات في تغيير تدريجي لنظام تعلمي جديد بدلاً من القديم. فمن حيث نسبة المواد، سيكون نصيب الرياضيات والعلوم 35% لعمان و29% للإمارات مقابل 12% و9% للمواد الدينية على التوالي للبلدين.

وبمقارنة هذه النسب مع ما صدر عن كمية المقررات الدراسية الجديدة للمرحلة الابتدائية في السعودية للفصل المقبل، نجد أنها لا تكاد تختلف عن القديمة. حيث تتراوح النسبة للمواد الدينية بين 29 و32% فيما كان معدل نسبة الرياضيات والعلوم حوالي 24% أي زيادة طفيفة للأخيرة. فلا أدري عن أي تطوير أو إصلاح نتحدث من هذه الجزئية؟

طبعاً، الحديث هنا فقط عن النسب الكمية وليس النوعية ولا بيئة التعليم والمعلمين، التي سيكون لها موضع آخر، إنما أشير إلى ما ذكر د. العيسى: « إذا أضفنا إلى عدم تناسب عدد الحصص الدراسية لمواد الرياضيات والعلوم الطبيعية واللغات مع أهميتها العلمية، مسائل أخرى مثل انغلاق البيئة المدرسية، واعتماد طرق التدريس على الحفظ والتلقين، وضعف مستويات المعلمين، فإنّ النتيجة المنطقية هي ضعف مستويات التفكير المنطقي، والتحليل والإبداع لدى الطلبة والطالبات، وبالتالي ضعف المخرجات بشكل عام».

وتشير دراسة Ideation إلى أن إصلاح المناهج في دول مجلس التعاون الخليجي لا بد أن يركز على عنصرين، هما: إعطاء الطلاب خيار أوسع وربط المناهج مع حصيلة الاقتصاد الاجتماعي المطلوبة للبلد. فالتقسيم التقليدي الذي يفصل بين مسارات التعليم المهني والأكاديمي أصبح غير مناسب. ففي العديد من نظم التعليم الناجحة كأستراليا مثلاًَ، يتم تزويد الطلاب بمهارات مهنية على قدم المساواة مع المهارات الأكاديمية.. فالأولوية هي للتأكيد على أنّ الخريجين سيساهمون إيجابياً لأجندة الاقتصاد الاجتماعي للبلد. فلا بد للمناهج أن تركز على أولويات الاقتصاد الاجتماعي. مثلاً في سنغافورة عدلت مناهجها للتأكيد على أهمية الابتكار مع غرس الاعتداد الوطني بين الطلبة، لتشجيع مشاركتهم في مختلف النشاطات الاجتماعية، مع وضع مناهج أكثر مرونة وأوسع خيارات للطلاب.

المناهج ليست كل شيء في إصلاح التعليم بل أحد عناصر البنية التحتية التي تشمل المدرسين والإدارة التعليمية وبيئة التعليم. وحتى البنية التحتية بدورها ليست كل شيء في إصلاح التعليم بل هي أهم مرتكزات الإستراتيجية الشاملة لإصلاح التعليم، تتداخل مع وضوح برنامج الإستراتيجية وقابليته للتنفيذ وبيئة الاقتصاد الاجتماعي للبلد. هذه المجالات سيتم مناقشتها في المقالات القادمة.



alhebib@yahoo.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد