Al Jazirah NewsPaper Monday  09/08/2010 G Issue 13829
الأثنين 28 شعبان 1431   العدد  13829
 
كلام بدرخان حول نووي إيران
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

بعد غد يبدأ شهر رمضان الكريم (الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ). وهو شهر للرحمة والمغفرة والعتق من النار. وكاتب هذه السطور يرجو من الله الغفور الرحيم

أن يتجاوز عن سيئات يرتكبها البعض منا، قادة وأفراداً من شعوب، في حق الله سبحانه وفي حقوق أمتهم.

أما بعد:

فالأستاذ عبدالوهاب بدرخان من الكتّاب العرب الذين تتصف كتابتهم الصحفية بالجدية والجودة. وكانت مقالته، التي كتبها في صحيفة الحياة بتاريخ العاشر من شعبان بعنوان (بين صيغتي الجمع والمفرد.. عودة الإحباط إلى معسكر الاعتدال العربي)، مما شجعني على الكلام، أو التعليق، على مسألة وردت في المقالة الثانية من مقالتي الأستاذ جهاد الخازن متعلقة بالنووي الإيراني. وكنت لم أتكلّم عنها أو أعلق عليها في مقالتي الأسبوع الماضي. وقبل الكلام عن الموضوع الرئيس، وهو النووي الإيراني، أود أن أشير إلى عدم استحساني لاستعمال كلمة «الإحباط» في سياق عبارة العنوان. ذلك أن المعنى الصحيح لكلمة الإحباط هو «الإبطال». قال الله تعالى {فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ}، أي أبطلها. ومن الواضح أن الكاتب أوردها قاصداً معنى «اليأس». ومن المؤسف أن كثيراً من الكتاب والمتحدثين يعبرون عن كلمة اليأس بكلمة الإحباط، تماماً كما يستعملون كلمة «تواجد» -وهي من الوَجد، وقد تعني مرحلة من مراحل المشاعر الصوفية- معبّرين عن كلمة «وجود».

أما مصطلح «الاعتدال العربي» فإنه يحتاج إلى تأمّل ورويّة. ذلك أنه قد أصبح يعني فيما يعني لدى من يطلقونه القبول بشرعية وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، والرضى بما يمكن أن يتنازل عنه ذلك الكيان المغتصب العنصري من تلك الأرض المحتلة -وهو لن يكون إلا ضريعاً لا يسمن ولا يغني من جوع-، وعدم التمسك الجاد الواضح في حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق قرار الأمم المتحدة المعترف لهم بذلك الحق. هل يمكن أن نسمي الملك عبدالعزيز غير معتدل في رفضه تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية وصهيونية، وفي إصراره على معارضته قبول وجود دولة صهيونية على تلك البلاد؟ هل يمكن أن نقول عن حاكم، مثل الملك فيصل، الذي رفض رفضاً باتاً أن يعترف بشرعية دولة الصهاينة على أرض فلسطين، بأنه لم يكن معتدلاً؟ إن مصطلح «المعتدلين العرب» مصطلح ابتدعه من لا يكنّون وداً لأمتنا العربية، وتبناه -مع الأسف الشديد- كتّاب من هذه الأمة، منزلقين، كعادتهم وراء الإعلام الغربي القوي المضل دون تأمل وتدبر في مضمون المصطلح ودلالاته.

وبالعودة إلى مقالة الأستاذ بدرخان يجد القارئ لتلك المقالة أنها تشتمل على مسألتين: الأولى تتصل بالمفاوضات بين قادة الكيان الصهيوني وزعماء السلطة الفلسطينية أتظل مفاوضات غير مباشرة أم تنتقل إلى مفاوضات مباشرة؟ ومما أشار إليه الكاتب حول هذه المسألة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد خذل من يسمّون معتدلين من العرب، وذلك بعدم الوفاء بوعده أن يكون جاداً في البحث عن حل عادل للقضية الفلسطينية، وأنه أصبح متجاوباً مع موقف الكيان الصهيوني دون تحفظ، وأنه بات يلح على الفلسطينيين أن ينتقلوا إلى المفاوضات المباشرة كما يريد قادة ذلك الكيان مع استمرار تهويد الأراضي الفلسطينية المحتلة -بما فيها القدس الشرقية-، يوماً بعد آخر. ومما عبّر به الكاتب تعبيراً جيداً بهذا الخصوص قوله: «يدور الآن الحديث عن الانتقال من مفاوضات غير مباشرة إلى مفاوضات مباشرة..، أي من خواء إلى خواء. لكن هذا مجرد عنوان لنقل رهان المعتدلين العرب على أمريكا لترويض الوحش الإسرائيلي إلى رهان عليها لترويض الثور الإيراني الهائج. لكن استجابة أمريكا للرهان الثاني مفهومة عموماً بأنها من أجل إسرائيل لا من أجل العرب».

أما المسألة الثانية التي اشتملت عليها مقالة الأستاذ بدرخان فمسألة النووي الإيراني. ومما قاله حول هذه المسألة: «إن الأبواب قد أُغلقت منذ زمن دون إنتاج العرب للطاقة النووية حتى لو كان الهدف منها أن تكون لأغراض سلمية. بل حُظر عليهم أيضاً إثارة مسألة الترسانة النووية الإسرائيلية. وعندما سمحت أمريكا مجرد سماح لتداول سلاح إسرائيل النووي عدت هذه ذلك السماح تنكراً للملف التاريخي بين البلدين. ولذلك فإن وفاق أوباما - نتنياهو هدفه تصحيح «الخطأ». وفي مقابل هذا بات من شروط إيران التي «عوى عليها الجو»، كما يقول المثل العامي، «لاستئناف التفاوض حول برنامجها النووي أن تعلن أمريكا والدول العربية موقفها من التسلح النووي الإسرائيلي، وكيف ينوي التعامل معه. ولعل أكثر ما يثير إيران ومعها دول أخرى طامحة هو الكيل بمكيالين. لكن يضاف إليه، إيرانياً، أن طهران ترفض إخضاعها للمعايير التي يعامل بها العرب من أجل هدف محدد هو تأمين التفوق الإسرائيلي وضمانه».

واستكمالاً للحديث عن تلك المسألة قال الأستاذ بدرخان: «كان آخر نماذج الخذلان الأمريكي للمعتدلين العرب في الموقف بالغ السلبية الذي اتخذ إزاء سعي الأردن -بعد اكتشاف مخزون من اليورانيوم لديه- إلى إنشاء مفاعل للتخصيب تمهيداً لإنتاج طاقة نووية. ويمثل هذا الاكتشاف أملاً مستقبلياً حاسماً للأردن بالنسبة إلى اقتصاده، إذ تتحكم فاتورة الطاقة بنموه وقدراته. وشكل الرفض صدمة لعمان، التي ظنت أن مثلها صلحها العميق مع إسرائيل وعلاقتها الخاصة مع أمريكا يمنحانها صكوك الثقة والاعتدال مما لا يضطرها للبرهنة عليها».

واختتم الأستاذ بدرخان مقالته بقوله:

«يعامل العرب (أي تعاملهم أمريكا ومن يدور في فلكها من الدول الغربية) بإقناعهم بتأجيل السلام مع إسرائيل إلى ما بعد إصلاح الخلل الإستراتيجي الذي يسببه النووي الإيراني. ولاحقاً إلى ما بعد تطبيع الوضع الأفغاني - الباكستاني، وتجفيف منابع الإرهاب، ولاحقاً، أيضاً، إلى ما بعد الحصول على الموافقة العربية الكاملة على شروط التسوية التي تناسب إسرائيل وترسانتها النووية الوحيدة في المنطقة».

والكلام السابق لا غبار عليه في تشخيصه لموقف أعداء أمتنا بزعامة أمريكا الداعمة دعماً غير محدود لعدونا اللدود.. الكيان الصهيوني. ومن الواضح أن المفاوضات بين قادة الكيان الصهيوني وزعماء السلطة الفلسطينية ظلّت كما قال الكاتب: «خواء في خواء» منذ بدايتها بعد معاهد أوسلو، التي تشتمل بعض موادها على أخطاء فادحة بحق الشعب الفلسطيني وقضيته. ومن الواضح، أيضاً، أن التهويد للأراضي المحتلة مستمر على قدم وساق، سواء توقفت المفاوضات العبثية توقفاً مؤقتاً أو لم تتوقف. القادة الصهاينة، معبرين عن أكثرية شعبهم، يُصرون على أنه لا اعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بلادهم، ولا عودة إلى حدود 1967م، ولا تفاوض حول القدس، إذ قرروا أنها جزء من دولتهم لا انسحاب منها، وأنه لا بد أن يعترف العرب، فلسطينيين وغيرهم، بيهودية الدولة الصهيونية. أما قادة العرب فكأنهم اختاروا الاستسلام للأمر الواقع، سواء منهم من وقعوا اتفاقية مع الصهاينة ومن لم يوقعوا حتى الآن. وأما أكثرية شعوبهم فهي -وإن دجّنت بدرجة كبيرة- ما زالت رافضة للتطبيع مع العدو الصهيوني. ويفعل الله ما يريد.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد