Al Jazirah NewsPaper Monday  09/08/2010 G Issue 13829
الأثنين 28 شعبان 1431   العدد  13829
 

إلى الأمام
مارون عبود يسمي ابنه محمد
د. جاسر عبد الله الحربش

 

أسموه أثناء حياته شيخ النقاد العرب في لبنان، واتفقوا كلهم على هذه التسميه، مسلمين ومسيحيين، أيام كان لبنان لبنان الجميع، ولم يكن هناك احتراب مذهبي ومحاصصات طائفية بين أبناء الوطن الواحد. الكل كانوا شركاء في لبنان عربيي الهوية بصرف النظر عن الطائفة والمذهب. ذلكم كان العملاق العربي المسيحي مارون عبود. لم يكن اسمه عمر ولا عثمان أو علي، بل مارون. لكنه عندما كبر وأنجب سمى ابنه البكر (محمد). ذلك الذي ولد في قرية عين كفاع المسيحية وأسماه أهله مارون، كانوا قد اختاروا له ذلك الاسم المسيحي التقليدي الصرف متوسلين به اقتداء وليدهم بأهم أوليائهم الصالحين القديس مار مارون. عندما كبر الطفل مارون عبود لم يسلك الطريق الكهنوتي الذي كان والداه يرسمانه له، بل انصرف إلى وانغمس في اللغة العربية وآدابها وخصوصياتها حتى أصبح من أكبر النقاد والمراجع فيها. لم تمنعه نصرانيته عندما كبر وأنجب من أن يختار لابنه أحب الأسماء إليه (محمد) وأكثر الأسماء تمثيلاً لما بلغه العرب بتعاليم نبيهم من روحانية وتسامٍ على العصبيات والألوان والأجناس.

له من المؤلفات والمقالات والدراسات النقدية الكثير، أذكر منها هنا ثلاثة عناوين تدل على روحه وأين تضرب الأوتار في قلبه:

1- العواطف اللبنانية إلى الجالس على السدة الرسولية.

2- أدب العرب.

3- علوم اللغة العربية.

يقول مارون عبود بعد سنوات من تسمية ابنه محمد ما يأتي: رزقت ولداً فسميته محمداً فقامت قيامة الناس، وكان أول من قدر هذا العمل وأعجب به صديقي المرحوم أمين الريحاني، وكنت نظمت هذه الأبيات أشرح فيها لماذا سميته محمداً:

عشت يا بني، عشت يا خير صبي

ولدته أمه في رجب

فهتفنا باسمه محمداً

أيها التاريخ لا تستغرب

خفف الدهشة واخشع إن رأيت

ابن مارون سمياً للنبي

أمه ما ولدته مسلماً

أو مسيحياً ولكن عربي

والنبي القرشي المصطفى

آية الشرق وفخر العرب

يا ربوع الشرق أصغي واسمعي

وافهمي درساً عزيز الطلب

زرع الجهل خلافاً بيننا

فافترقنا باسمنا واللقب

شغلوا المشرق في أديانه

فغدا عبداً لأهل المغرب

بك قد خالفت يا بني ملتي

راجياً مطلع عصر ذهبي

حبذا اليوم الذي يجمعنا

من ضفاف النيل حتى يثرب

إلى أن يقول:

فإذا ما مت يا بني في غدٍ

فاتبع خطوي تفز بالأرب

وعلى لحديَ لا تندب وقل

آية تزري بأغلى الخطب

عاش حراً عربياً صادقاً

وطواه اللحد حراً عربي

انتهى

ولا بد لي كمعجب أشد الإعجاب بشيخ النقاد العرب مارون عبود وباعتزازه بقومه ولغته وبخروجه عن الإطار الذي بنته العصبيات وسجنت الناس فيه، وحتماً بقصيدته التي تفيض حباً واحتفاءً بالنبي القرشي المصطفى، أقول لا بد لي كمعجب من لفت النظر إلى بعض الإيحاءات السامية في القصيدة:

اختيار الاسم محمد مع تدوين شهر ولادته الإسلامي رجب. الإقرار بأن عروبة الوليد سابقة على نصرانية أهله. التسليم بأن النبي القرشي دون غيره آية الشرق وفخر العرب. التنبيه بأن الغرب استعبد العرب بعد أن زرع التنازع بينهم على الأسماء والألقاب. ثم (وتلك قمة الشجاعة والصدق) مخالفة الأهل والملة في التسمية تفاؤلاً بمستقبل يلم شمل العرب في عصر ذهبي من ضفاف النيل وحتى أين؟.. حتى يثرب، فما أجمل الدلالة ورمزية الانتماء.

أخيراً تأملوا في نصيحته لابنه أن يقرأ على قبره عند وفاته آية من القرآن الكريم بدلاً من أن يندب وينتحب، مؤكداً له أن أباه عاش حراً عربياً وطواه اللحد كذلك.

هل يجوز الترحم على هذا المسيحي العربي المزهو والمتفاخر بنبي الإسلام وبقومه العرب؟ أرجو أن يكون للترحم عليه متسع في قلوب الصادقين مثله، وفي رحمة رب العالمين متسع للجميع.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد