Al Jazirah NewsPaper Wednesday  11/08/2010 G Issue 13831
الاربعاء 01 رمضان 1431   العدد  13831
 
إلى الأمام
العرب العاربة والمستعربة..وتكافؤ الأنساب
د. جاسر عبد الله الحربش

 

دعونا على الأقل هذه المرة من اللف والدوران، ومحاولات الاحتيال بالخصوصيات والظروف التاريخية وما إلى ذلك. هذه مسألة اجتماعية وليست شرعية ومحاولة بحث في الأصول المفترضة للأنساب. موضوع تكافؤ الأنساب ينتصب كحجر عثرة كبير مع الكثير غيره من الأحجار في طريق الانسجام والتكامل الاجتماعي. غرابة الموضوع وعدم اتساقه مع التعاليم الدينية وشروط المواطنة تفرض بالضرورة محاولة الرجوع إلى البدايات، أي متى بدأ الموضوع وكيف؟ ولماذا بدأ ؟ وهل له أصل وفصل في التكوين الاجتماعي الأول للجزيرة العربية؟ أم أنه ظاهرة طارئة أنبتتها الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولا دخل لها بالتشريع الديني ولا بشروط التعايش الاجتماعي الحضري أو المنطق الإنساني السليم؟.

نعود، إذاً إلى البدايات ونحتكم عائدين إلى من نسميهم العرب العاربة والمستعربة. ليس لدينا ما نستند إليه في التحقق من التراث في هذا الموضوع سوى أنه متفق عليه بالتواتر النقلي وموثق الحدوث في القرآن الكريم. إننا نعرف بناءً على تراث أنساب العرب القديم أن إسماعيل الذي تنتسب إليه العرب العدنانية المستعربة كان ابناً لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وجارية مصرية اسمها هاجر. هذا الولد الصالح لقادمين من خارج المنطقة تزوج فتاة جرهمية من العرب العاربة كانت قبيلتها سيدة جبال مكة وبطاحها وشعابها. من ذلك الزواج المبارك تناسلت العدنانية المستعربة التي ينتسب إليها نبينا القرشي محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، عليه الصلاة والسلام.

بناءً على الموروث التاريخي، فقد زفت قبيلة جرهم ابنتها العربية العاربة الأصيلة إلى ابن المهاجر والجارية دون أن تنشب فتنة قبلية، أو أن يحجر عليها أبناء عمومتها، أو أن يقوم شيخ القبيلة بمنع الزواج أو إبطاله بدعوى عدم تكافؤ الأنساب.

منذ ذلك الزواج المبارك مرَّ تاريخ طويل وحافل اختلطت فيه أنساب العاربين والمستعربين والعرب بغير العرب وغير العرب بالعرب. اليوم لن يستطيع ابن أبيه أن يعيد نسبه وأنساب أصلابه التي جاء منها إلى نقطة البداية، أيام البؤر الاستيطانية المعزولة والتزاوج داخل أعشاش ضمن الشجرة الواحدة.

إذاً مرة أخرى، وبعد هذا التاريخ الطويل من التزاوج والغزوات والسبي المتبادل والإنجاب في هذا الاتجاه والاتجاه المعاكس: كيف يمكن لأحد أن يعيد شجرته التي يتعلق بأهدابها، بثمارها وفروعها وأوراقها إلى جذورها الأصلية، ويبني على ذلك تمايزات وطبقيات خرافية يقبل بها الزواج من هنا ويرفضه من هناك.

الدين والتاريخ الطويل جعل المسألة الانتسابية كلها -بحمد الله- سلطة متنوعة، فيها الطماطم والجزر والخيار والملفوف. كلما تنوعت المكونات والأشكال في السلطة صارت أشهى وأصح, وكلما قلت الأنواع ضعف الطعم وانخفضت القيمة الغذائية. ليس هناك أضعف عقولاً وأكثر عللاً من المجتمعات البدائية المعزولة عن التزاوج والاختلاط البشري.

الأساس هو أن الخالق العظيم أراد لخلقه أن يتعارفوا ويتمازجوا فتكبر عقولهم وتصح أبدانهم وتخف ضغائنهم وتتراكم لديهم المهارات والخبرات للتغلب على مصاعب الحياة ولتعمير الأرض.

للمرة الثالثة والأخيرة إذاً : لماذا يوجد بيننا حتى اليوم بقايا منصات تستعمل للقفز على التشريع الإلهي والتارخ البشري لتقول هذا زواج جائز وذاك ليس كذلك، وهذا يستمر وذاك يبطل ويفسخ حتى لو كان له من الثمرات الأبناء والبنات وعلاقة الزوجين في غاية الانسجام.

إن التحجج بعدم تكافؤ الأنساب لن يدرأ فتنة، ولن يضمن الوصول إلى الانسجام المتكافئ بين شباب المستقبل بعدما خرجوا من عزلة الصحاري والجبال واحتكوا بالأمم الأخرى، وعرفوا نوعاً جديداً من مفاهيم المواطنة ومعايير التشارك في المجتمع الواحد. لن تسد الذرائع وتردم الفتنة بالتحايل الطبقي وممارسة التفريق بين الأسر المتجاورة. سوف تكون لذلك امتداداته في الحي والقرية والمدينة والمنطقة وفي كل المكونات الضرورية للحياة المدنية على مستوى الوطن.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد