سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد بن حمد المالك.. سلمه الله
فقد اطلعت على ما نشر في صحيفة الجزيرة في عددها رقم «13825»، وتاريخ: 24-8-1431هـ، في (عزيزتي الجزيرة) تعقيباً بعنوان: «التثبت والتحري في نقل الأخبار والآثار» للأخ عبدالرحمن بن صالح الدغيشم.
إن عبارة: «كل يؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحب هذا القبر»، تنسب إلى الإمام مالك بن أنس - رحمه الله -، وهذا حق سررت به، لي نفعه، ولصاحبه كذلك. وحيث إن الكاتب أشار إلى ضرورة التثبت والتحري في نقل الآثار والأخبار، ونسبتها إلى مصادرها الصحيحة فإن تعقيبي سيكون حول تأصيل هذه العبارة، كما يأتي:
صحيح أن هذه العبارة تنسب إلى الإمام مالك - رحمه الله -، قالها عندما كان يدرس في المسجد النبوي، ويشير إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنها قد جاءت عن غيره من أهل العلم؛ فقد ورد في «معجم الطبراني الكبير» - ورجاله موثوقون -، كما قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - رفعه، قال: «ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويدع غير النبي صلى الله عليه وسلم». قال السخاوي في «المقاصد الحسنة»: حديث «كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم»، هو من قول مالك -رحمه الله -، وأورده الغزالي في «الإحياء»، بلفظ: «ما من أحد إلا يؤخذ من علمه ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وقد روي - أيضا - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفا عليه، عند عبدالله بن أحمد في «زوائد الزهد»، من طريق عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. كما أورده السيوطي في «الدرر المنثورة في الأحاديث المشهورة». وعلقه الإمام البخاري - رحمه الله - في جزء القراءة: «باب وجوب القراءة للإمام والمأموم». ثم قال: والوجه الثالث: إذا ثبت الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فليس في الأسود - ونحوه - حجة. قال ابن عباس ومجاهد: «ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم». ومثله ما ذكره ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله».
وقد نقل العلامة أبو شامة في «مختصر المؤمل»، عن السبكي: «وأخذ هذه الكلمة من ابن عباس مجاهد، بل والحكم والشعبي أيضا، وأخذ منهم مالك، واشتهرت عنه».
بقي أن أقول: إن هؤلاء هم أهل العلم الراسخون فيه، المالكون لآلة الاجتهاد، العارفون بالقواعد والأصول ووجوه القياس. فمثل هؤلاء تركوا لنا فقها غنيا بالاختلاف، مع تقديرهم وإجلالهم لبعضهم البعض، وفق منهج: الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
د. سعد بن عبدالقادر القويعي