بالصدفة تابعت الحفلة الختامية للبرنامج الشهير «أمريكانز قت تالنت» وهو برنامج معروف، يقام سنوياً للكشف عن المواهب الأمريكية في الغناء والرقص والتمثيل وجميع العروض أو «الشو» التي تلفت الانتباه، وتتميز بفرادتها وتجديدها، وقدرتها على إقناع الأمريكيين في التصويت لها، أي أن موهبة البرنامج التي ستفوز بين آلاف المتسابقين، وستحصد المليون دولار، فضلاً عن ملايين الدولارات عبر العقود التي ستنهال عليها، سيتوّجها التصويت الحرّ والديمقراطي لا غير.
ما أحببته في هذا البرنامج، ليست المواهب التي تقاتل وتتصارع وتحترق لكي تصل إلى الذروة، مع الإقرار بقيمتها الفنية وتميزها، لكن ما لفت انتباهي هي الحالة الإنسانية التي جاء منها هؤلاء الموهوبون، فمغنية مثل باربرا باديا، ذات الصوت الأوبرالي، نهضت كعنقاء الرماد، نهضت من الموت تقريباً، بعدما أصيبت بالسرطان، وبقيت تعالج بإصرار ويقين وعزيمة، حتى تجاوزت سطوة المرض، وتزوجت وكافحت مع زوجها وطفلها، كي تصل إلى المليون دولار، قبل أن تخسر أمام منافسها الشرس المغني كيفن سكينر، الذي فاز بالمليون، ولم يتمالك دمعته التي هبطت على وجنته وشعيرات لحيته الذهبية، هذا المغني الذي كان مجرّد شخص عاطل عن العمل، مجرّد مطارد دجاج، كما وصف نفسه في أول ظهور له أمام لجنة التحكيم! فهذا الرجل مطارد الدجاج أصبح الآن صوت أمريكا الجديد!
إذن، لمَ يغضب بعض السعوديين، من تعاقد قناة «إم بي سي» مع شيخ البالتوك، السيد لورنس، وهم الذين يتناقلون مقاطعه بلهفة، ويتتبعون سخريته ونقمته على المجتمع، وتهكّمه على معظم فئاته، إلى حد أنه يتهكم على نفسه وأسرته، فلم يكن يقصد الإساءة إلى أحد، بقدر ما يشعر بغصّة وسخط تجاه ما حوله، حتى نفسه! ولم أحب اعتذاره الذي تناقلته الصحف، فمكسبه الوحيد أنه كان فناناً شعبياً يمتلك حسّاً ساخراً وجريئاً، ولن يقبله المشاهد وقد ارتدى عباءة الفنان النخبوي، الفنان الذي يوقّع العقود ويؤدي السيناريو المكتوب له، فما لم يتنبه إلى ذلك، ويدرك أن تلقائيته وبساطته وصدقه مع نفسه أولاً هي ما قرّبه إلى الناس، وجعل الملايين يتابعون فقراته عبر الإنترنت، ولست أطالبه هنا بأن يبقى منفلتاً كما كان، بل عليه أن يناقش فيما يُكتب له، وما سيؤديه من أفلام كارتون أو غيرها.
أعتقد أن الدور الذي قامت به القناة يشبه دور البرنامج الأمريكي الشهير، فهي فتحت له باباً جديداً من الشهرة، ومن لم يتابع أحاديثه البالتوكية، سيتابعه مرسوماً على القناة خلال رمضان، ولا أرى أن أحلامه ستكون أقل من أحلام مطارد الدجاج كيفن سكينر، رغم أنني تمنيت أن يكون جريئاً أكثر، ويصرّح باسمه الحقيقي بكل بساطة وثقة، فكما سيكفّ كيفن عن مطاردة الدجاج بعد اليوم، على لورنس أن يكف عن وضع اللثام على وجهه، فلم يرتكب جناية حتى يتخفّى بهذا الشكل، وحتى لو كان هناك من يعارضه على مستوى الأسرة، أو المجتمع، فهو قدر الفنان دائماً، أن يكون دائماً تحت الضوء، وعرضة للنقد المستمر، فاظهر لورنس ولا تخشى أحداً، وإلا فعد إلى مطاردة الدجاج مع الحبيب كيفن سكينر!