Al Jazirah NewsPaper Friday  13/08/2010 G Issue 13833
الجمعة 03 رمضان 1431   العدد  13833
 
وقائع خالدة من تاريخنا الإسلامي معركة ملاذ كرد 463هـ - 1071م
د. محمد بن عبدالله الشويعر

 

يحفل تاريخنا الإسلامي بقادة وملوك سطروا أسماءهم بماء من ذهب، حيث حفلت سيرتهم العطرة بأعمال جليلة وخالدة حفظها لهم التاريخ حتى وقتنا الحاضر، ومن هذه الأسماء السلطان السلجوقي ألب أرسلان محمد بن داود جُغري بك، الذي تولى الملك سنة 455هـ - 1062م، بعد وفاة أخيه السلطان طغرلبك، إلى سنة 465هـ - 1073م.

وفي سنة 463هـ - 1071م، خرج إمبراطور الروم أرمانوس على رأس جيش قوامه مائتا ألف من الفرنج والغرب والكُرج وغيرهم من طوائف تلك البلاد متجهاً إلى بلاد الإسلام، حيث وصل إلى ملاذ كرد من أعمال خلاط.

ولما علم السلطان ألب أرسلان وهو بمدينة (خوي) من أذربيجان، وسمع عن أعداد الروم الكثيرة، لم يتمكّن من جمع العساكر الإسلامية لبعدها عنها، وقربه هو من العدو، فجمع أثقاله كلها وسيرها مع زوجته ووزيره نظام الملك إلى مدينة همذان، واتجه ألب أرسلان فيمن معه من العساكر وعددهم خمسة عشر ألف فارس باتجاه العدو، وجد في السير وقال لهم: إنني أقاتل محتسباً صابراً، فإن سلمتُ فنعمة من الله، وإن كانت الشهادة فإن ابني ملكشاه ولي عهدي.

وعندما وصل ألب أرسلان قبالة العدو أرسل إلى ملك الروم يطلب منه المهادنة، إلا أن الإمبراطور أرمانوس اغتر بجيشه وعدته فرد عليه قائلاً: (لا هدنة إلا بالري)، فانزعج السلطان ألب أرسلان من رفض الإمبراطور الهدنة، فعزم على ملاقاتهم، وكان برفقته إمامه وفقيهه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري فقال له: يا سلطان إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة، بعد الزوال في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة.

فوافق رأيه، وانتظر تلك الساعة، وصلى السلطان بالمسلمين وبكى، فبكى الناس لبكائه، ودعا ودعوا معه، وقال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف، فما ها هنا سلطان يأمر وينهى وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف والدبوس، وعقد ذنب فرسه بيده، ففعل عسكره مثله، ولبس البياض، وتحنّط، وقال: إن قتلت فهذا كفني.

ولما تقابل المسلمون والروم كتب الله النصر للمسلمين رغم كثرة الروم وقلة المسلمين، فأنزل الله نصره على المسلمين، وقتل من الروم أعداد كثيرة، حيث امتلأت الأرض بجثثهم وتم أسر ملك الروم أرمانوس، وأُحضر عند السلطان فضربه ثلاث مقارع كانت بيده وقال له: ألم أرسل إليك الهدنة فأبيت؟ فقال: أفعل القبيح وافعل ما تريد! فقال السلطان: ما عزمت أن تفعل بي! إن أسرتني؟ فقال: أفعلُ القبيح، فقال له السلطان: فما تظن أنني أفعلُ بك؟ قال: إما إن تقتلني وإما أن تشهّرني في بلاد الإسلام، والأخرى بعيدة وهي العفو، وقبول الأموال، فقال له السلطان: ما عزمت غير ذلك.

ففدى الإمبراطور البيزنطي نفسه بألف ألف دينار (مليون دينار) وخمس مئة ألف دينار، كما شرط عليه السلطان أن يطلق كل أسير من المسلمين في بلاد الروم واستقر الأمر على ذلك.

وتعد المعركة هذه من أهم المعارك الخالدة والحاسمة في تاريخنا الإسلامي؛ وذلك بتصدي السلطان ألب أرسلان للبيزنطينيين ومنعهم من الوصول إلى بلاد الإسلام وبخاصة بلاد الشام، فكم كان المسلمون فخورين بهؤلاء الأبطال الأفذاذ الذين خدموا الإسلام والمسلمين.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد